فكان يعلم أنه إذا طلبك من والدك يومئذ لا ينال غير الفشل. أما بعد أن خرج والدك رحمه الله من طاعة علي في جملة من خرج بعد التحكيم حدثته نفسه أن يطلبك فخاطبني في شأنك مرارا. ولكن والدك كان مشغولا بمحاربة علي وشيعته فلم أتمكن من التوسط له. فلما علم بمقتله ومقتل أخيك وا أسفاه عليهما (وتنهدت وهي تتظاهر بمسح دموعها) عاد إلى مخاطبتي في ذلك. وقد كنت أدافعه لعلمي بحزنك الشديد وهو مع ذلك مازال يتردد علي ويستنهضني ويبذل كل مرتخص وغال في سبيل التمتع بهذا الوجه الجميل. فجاءني اليوم وأعاد الكرة وبالغ في التذلل والاستعطاف فلمحت له أنه إذا أصر على نيلك لابد له من الانتقام لوالدك. فآنست منه ارتياحا فأطلت الكلام معه وريحان في انتظاري خارجا وهذا هو سبب تغيبي عنك فما قولك؟
فلما سمعت قطام كلامها استبشرت بنيل مرامها فقالت: «وهل تظنين أنه يعدني وعدا شافيا بالانتقام.. هل يتعهد لي بقتل علي بن أبي طالب. إني لا أقبل بأقل من ذلك.»
قالت: «أظنه يقبل ومع ذلك فإني استقدمه إليك ونظرا لما أعهده من مهارتك في أساليب السياسة لا أشك في أنه يتعهد لك بكل ما تريدينه وخصوصا إذا أظهرت له ميلا وقلت له إنك تحبينه وتفننت في طرق الدلال والتمنع واشترطت عليه أنك لا تتزوجين إلا بعد قتل علي. فإذا عاهدك صبرت حتى يقتله فإذا لم يفعل وأصاب حتفه كان دمه على رأسه والسلام ... ايه؟»
فأشرق وجه قطام وأحست بارتياح إلى هذا الرأي وقالت «لا ريب عندي إني أحمله على التعهد ... فاستقدميه لنرى ما يكون. ولكن قولي له إني لم أقبل بعد وبالغي بتمنعي وإبائي وأنا أتمم الحيلة».
فضحكت العجوز ضحكة طويلة وقالت «سامحك الله يا قطام ألا تزالين تحسبينني فتاة مثلك وهل تجهلين أين قضيت هذه الشيبة.. ألا تعلمين أني قضيت عمري في مثل هذه الحوادث. فكم أزوجت من الرجال وكم أقنعت من النساء في الزواج بعد أن كان قبولهن ضربا من المحال.. لا تخافي علي.. ولا أنا أخاف عليك» قالت ذلك ونادت ريحان فأسرع إليها. فقالت له هل تعرف الشاب الذي كان عندي الليلة.
قال: نعم أعرفه.
قالت: سر إليه إنه لايزال في المنزل حيث رأيتنا الليلة وقل له إن خالتك لبابة تدعوك إليها.
قال: وإذا أبى الحضور ماذا أقول له؟
قالت: لا أخاله إلا سابقك في الطريق اذهب وادعه إلى حالا.
قال: سمعا وطاعة وخرج.
Unknown page