حزينا جدا ...
طاف الموكب الحزين كثيرا أزقات القرية، نهرته كلابها، هربت من بين أرجل المتكوكبين، دجاجاتها البرية المستأنسة وهي «تكيك»، إلى أن توقف أخيرا أمام دار ذات فناء متسع، دخل اللاحمون بذئبهم، دخل هو، كان شجاعا وهو يحس برعدة الخوف تصعقه في عمق السؤال، ذات السؤال الجبان؛ بئس المصير! أنت في ورطة.
ماذا سيفعلون بي؟
أين الصادق الكدراوي؟
وبدخوله واللاحمين في الدار ذات الفناء المتسع، تفرق المحاربون، تفرقت النائحات يتبعن صغارهن النعام، أصواتهن تختفي تدريجيا، تتلاشى تماما.
وسط فناء الدار توجد مظلة كبيرة من البامبو مسقوفة بحصير ناعم بدقة وأناقة ذكرته بالكنيسة التي في أحد أحياء المهجرين في الشرق، توجد بالمظلة مقاعد خشبية مصنوعة من حطب العرديب والمهوقني، بعض الشيوخ يجلسون بالمكان، طلبوا منه إنزال ما بظهره، أن يجلس على أحد المقاعد الخشبية، أن يشرب ما قدم إليه، أن يستمع للقول المترجم بواسطة الناهد، أن يرد، أن يقال إليه أخيرا: اتبع هذين المحاربين إلى كهفك، هنالك أعلى الهضبة.
يخرج وعلى ظهره حاجياته، لمح ما يشبه عربة جيب في مظلة من البامبو عند ركن بعيد بالدار، من جاء بعربة كهذه هنا؟ ماذا يفعل هؤلاء البدائيون بها؟ لا تشغل نفسك بأمور جانبية يا سلطان، الأهم كهفك، ذئبك، سجنك، بحثك، طعامك، فليكن الجيب أو فلتكن طائرة نفاثة، لا تشغل نفسك، لا، لا ...
الناهد ذات الصدر العاري بارعة جدا في التحدث باللغة الإنجليزية، ذات مهارات ترجمانية عالية، كانت تستخدم اصطلاحات لا يعرفها هو القارئ المواظب على اللغة الإنجليزية، وكثيرا ما كان يردد: آسف، آسف.
تعيد صياغة السؤال بلغة أسهل، كلمات أبسط، ولو أنها كانت لا تدري أية لغة هي الأسهل وأيها ... المهم كانت تقوم باستعمال مترادفات تسهل علي معرفة السؤال بالتالي الإجابة. هي جميلة، جامحة، رشيقة، ينقصها فقط شخص كالصادق الكدراوي ليقيس مدى تماشي مؤهلها الجمالي الظاهر مع ... الإمتاعية، أو كما يسميها الكدراوي: إيقاعها السري ما دون السري.
سوداء، ربما كانت أكثر سوادا منه، بشرتها ناعمة ملساء ذات لمعان خفيف ساحر كأنها مدهونة بزيت سحري، جميلة في زيها البسيط المكون من رداء الجينز الأزرق الباهت والخرزات الملونة، قالت له وهما يسيران خلف المحاربين: أنت ستبقى بالكهف دون حراسة، يجب عليك ألا تحاول الهرب؛ لأن القبيلة تحيط بالجبل بيوتها، لأن الذئاب تحيط بالقبيلة، لأن برم بجيل يحيط بالذئاب. أنت بغير سلاحك فمن ينجيك؟ لعنة الحارس تطاردك دائما، طالما لم تكن أنت جسده؛ لأن روحه تريد أن تستقر في جسده هو، بالذات جسدك أنت.
Unknown page