أغاممنون :
أنت ترى اضطرابي ولست تعلم سبب مصابي، ولو علمت لعذرتني على انتحابي. أنت تعلم أنه في يوم تجمعت مراكبنا في أوليد، كانت الريح تهب عاصفة بنا؛ تدعونا للمسير ونحن نستعد لنزال ترواده ولقاء الأبطال فيها وإذا بالريح قد سكنت، كأن الآفاق أغلقت أبوابها والجهات الأربع سدلت حجابها فالتزمنا الإقامة بعد العزم على المسير وهدأ البحر بالسفن فلا موج ولا هدير حتى ألجأني الأمر إلى أن أستشير آلهة هذا المكان؛ عساني أن أقف منها على خفايا هذا الشان. فذهبت إليها يتبعني مينيلاس ونستور وعولس، وذبحت لها الذبائح وقدمت القرابين والدماء، ولكن اسمع ما كان جوابها يا أركاس على لسان الكاهن كلكاس. اسمع وارتجف خوفا ورعبا كما أرتجف أنا؛ قالت: «باطلا تتعب فيما نويت من حرب ترواده ما لم تسفك على مذبحي دما زكيا من دم الآلهة من سلالة هلينا، فإذا أردت أن تهب عليك الريح وتثير حربا عوانا. فقدم ابنتك إيفيجنيا على مذبحي قربانا.»
أركاس :
ابنتك يا مولاي ...؟!
أغاممنون :
فوقع ذلك الكلام في أذني موقع السهم في قلبي، ولبثت صامتا لا أعيد ولا أبدي، ثم تصاعدت زفراتي وعلا نحيبي وجمد الدم في عروقي، ثم جعلت أعاتب القدر، وأذم السفر، وأحلف بالعصيان، وأناجي نفسي بالكفران، بل كيف أسمح بفلذة كبدي، وأذبح ابنتي بيدي، فدار بي عولس يخوفني الخذلان، ويذكرني خدمة الأوطان، ثم طافت بي الملوك تعذلني وتلومني وتقول: أتبخل بدم فتاة وتسمح بفشل رجال أبطال؟! فثارت بي عزة الملك ونخوة الفوارس وانصرفت إلى مضربي حزينا كئيبا لا أفيق ولا أعي، ثم لم يغمض جفني حتى أتتني الآلهة في الخيال تحذرني سوء العقبى وغائلة الفشل، ثم ألح علي عولس وزاد في التشديد والطلب حتى وعدته بابنتي وأجبته إلى قتلها وقد نفذ الوعد وتم الكلام ... ويلاه كيف أنزعها من أمها وهي شديدة الحنو عليها؟! بل كيف أنزعها من حبيبها أشيل وهو كثير الميل إليها؟! وأنا قد انتحلت اسمه وإنه هاج به الغرام، وكتبت لها باسمه أستقدمها من أيام وأقول لها إنه يريد أن يصير حليلها، فلا يسافر معنا إلا وهو زوج لها، وأنا أريد بذلك أن أستقدمها إلى هذا المكان لأنفذ قتلها.
ويلاه من حزني ومن كمدي
إني سأقتل ابنتي بيدي
ويلاه من دهر يجور بنا
ظلما فيقسو والد الولد
Unknown page