58

Rahmat Calamin

رحمة للعالمين

Publisher

دار السلام للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publisher Location

الرياض

Genres

عاش النبي ﷺ وعشيرته هكذا لثلاث سنوات وظل من أسلم محبوسا في بيته، وفي موسم الحج حين كاد الكفار يحرمون القتال، كان النبي ﷺ يخرج من الشعب يدعو الناس إلى الإيمان بالله، وكان الشقي التعس أبو لهب يمضي خلف النبي ﷺ ويقول: أيها الناس، هذا مجنون لا تسمعوا لحديثه، ومن يسمع له ويصدقه يهلك. وتحمل النبي ﷺ هذه الشدة بصبر لا ينفذ لثلاث سنوات، وحين أنزلت قريش الصحيفة التي كتبت فيها المعاهدة سابقة الذكر وجدوا الأرضة قد أتت عليها - إلا ذكر الله ﷿ وبعدها خرج النبي ﷺ من الشعب وبدأ يباشر دعوته. وذات يوم دخل النبي ﷺ المسجد الحرام حيث كان يجلس رؤساء المشركين، فلما رأى أبو جهل النبي ﷺ قال ساخرا "ها هو نبيكم قد جاء يا بني عبد مناف". قال عتبة بن ربيعة: وما تنكر أن يكون منا نبي أو ملك؟ فسمع النبي ﷺ بذلك فأتاهم، وخاطب في البداية عقبة فقال: "عقبة! ما حميت لله ورسوله، ولكن حميت لأنفك". ثم قال لأبي جهل: "والله لا يأتي عليك غير كبير من الدهر حتى تضحك قليلا وتبكي كثيرا" ثم قال لقريش: "والله لا يأتي عليكم غير كبير من الدهر حتى تدخلوا فيما تنكرون" (١). وسوف يرى القراء كيف تحقق قول الرسول ﷺ. وفاة أبي طالب وخديجة: في السنة العاشرة من البعثة النبوية، توفي أبو طالب عم النبي ﷺ ووالد علي المرتضى ﵁، وكان أبو طالب هو الذي ربى النبي ﷺ منذ صباه، وحماه وأيده حين بدأ الدعوة إلى عبادة الله وحده، ولهذا حزن النبي ﷺ لوفاته حزنا شديدا. وبعد ذلك بثلاثة أيام توفيت زوجته خديجة ﵂، وكانت قد وهبت نفسها لمؤازرة النبي كما ضحت بمالها ومتاعها في سبيل الله، وكانت أول من أسلم، وقد بلغها جبريل

(١) تاريخ الطبري المجلد الثاني [ص:٢٣١].

1 / 60