Rahman Wa Shaytan
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Genres
إن الصديقين وحدهم هم المؤهلون للخلاص والانعتاق من دورة تناسخ الأرواح، في حال التزامهم بالوصايا وتفرغهم لحياة الزهد والتأمل التي تقود إلى العرفان. وبما أن نمط الحياة هذا يحول بينهم وبين أداء كل ما هو عملي، فقد كان على السماعين مساندتهم بالطعام والشراب والكساء وكل ما يلزمهم للتفرغ لمهامهم الروحية، وسيكون أجر المحسن منهم أن يتقمص في جسد صديق في تناسخه المقبل. وقد أحل ماني لشريحة السماعين معظم ما حرمه على الصديقين، فقد أباح لهم أكل اللحم والزواج والإنجاب وممارسة النشاطات العملية اللازمة لاستمرار الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وفرض عليهم خمس وصايا سلوكية وطقسية، هي: (1)
مراعاة عشر قواعد سلوكية أهمها الامتناع عن الزنا، والإخلاص الزوجي، والتزام اللاعنف تجاه الكائنات الحية. (2)
تأدية الصلوات الأربعة في كل يوم، وهي صلاة الفجر وصلاة الظهر وصلاة المغرب وصلاة العشاء، وتسبق الصلاة عملية الوضوء. (3)
تنحية العشر من أموالهم ينفق على الفقراء، ولدعم حياة الرهبنة التي يعيشها الصديقون. (4)
الصيام يوم الأحد من كل أسبوع، وصيام الشهر المقدس كل سنة، وهو الشهر الذي يسبق العيد الكبير المدعو بيما. (5)
ممارسة الاعتراف بالخطايا كل يوم اثنين أمام الكاهن. وهناك اعتراف جماعي يتلى في العيد الكبير لغفران خطايا الجماعة المانوية. (4) انتشار المانوية
انتشرت المانوية في سورية خلال حياة ماني، ومنها انطلقت إلى مصر حيث تشكلت جماعات مانوية قوية التأثير في الحياة العامة والسياسية، كما دانت إمارة الحيرة العربية بالمانوية عندما اعتنق ملكها عمر بن عدي ديانة ماني، وصار من أشد المدافعين عنها خلال فترة حكمه التي امتدت من سنة 270 إلى سنة 300 ميلادية. ومن الحيرة خرجت بعثات تبشيرية إلى جزيرة العرب، على ما يروي الجغرافي العربي ابن رستة، فوصلت حتى مكة واستمالت بعض أهلها. بينما يروي المؤرخ ابن قتيبة أن بعض القرشيين قد أحضروا هذه البدعة، كما يسميها، إلى ديار العرب. ومن مصر انتشرت المانوية إلى شمال أفريقيا وإلى إسبانيا، كما عبرت سورية إلى آسيا الصغرى واليونان وإليريا وإيطاليا وبلاد الغال، وجميع هذه المناطق كانت من أصقاع الإمبراطورية الرومانية. ولقد رأت روما في المانوية بدعة إيرانية، وفي أتباعها نوعا من الطابور الخامس الذي يعمل لصالح العدو، فابتدأ الاضطهاد المنظم للمانويين منذ عهد الإمبراطور ديوقليان الذي أصدر مرسوما يقضي بإحراق جميع المؤلفات المانوية أنى وجدت، وقتل المانويين ومصادرة أملاكهم.
ونحو الشرق توطنت المانوية في المناطق الهندية القريبة من إيران منذ حملة ماني التبشيرية الأولى، واعتنق ملك طورفان المانوية وجعلها ديانة رسمية للدولة. وبعد وفاة ماني حمل حواريوه المعتقد وتوغلوا به شرقا فصارت مدينتا سمرقند وطشقند الحاضرتين الرئيسيتين لإقليم الصغد بمثابة قاعدة انطلاق للحملات التبشيرية على طول طريق الحرير وصولا إلى الصين، حيث دخل المبشرون البلاط الصيني وشرحوا معتقدهم للإمبراطور. وحوالي عام 760م صارت المانوية الديانة الرسمية لمملكة أويغور الصينية الحدودية، التي كانت تسيطر على أجزاء كبيرة من مناطق آسيا الوسطى، وبعد انهيار المملكة بعد قرن من الزمان، استمرت العقيدة المانوية في الصين من خلال جماعات سرية حتى القرن الرابع عشر.
ولكن الاضطهاد الذي وقع على المانوية من قبل روما أولا ثم الكنيسة المسيحية ثانيا فالخلافة العباسية، قد أدى إلى أفولها التدريجي حتى تلاشت تماما مع مطلع العصور الحديثة.
خلاصة
Unknown page