Rahalat Fada
رحلات الفضاء: تاريخ موجز
Genres
تحول رحلات الفضاء دون الانهيار الحضاري الذي قد تجلبه علينا الحرب أو التغييرات المناخية، ومن ثم فإنها ستستمر على الأحرى في المستقبل، كونها قد أضحت جزءا لا يتجزأ من الحياة على كوكب الأرض. ومن الممكن أن يتوسع الجنس البشري للخارج وينتشر على أكثر من كوكب، وفقا لتوقعات الداعين إلى رحلات الفضاء منذ زمن طويل، ولكنه ليس أمرا مؤكدا بأي حال من الأحوال . أيا كان ما سيحدث، فإن رحلات الفضاء سواء المأهولة أو الآلية تعد إنجازا مذهلا ولها آثار بالغة الأهمية على حيواتنا؛ ومن ثم يجدر بنا أن نفهم شيئا عن تاريخها.
الفصل الأول
أحلام رحلات الفضاء والمقتضيات العسكرية
ظلت السماء لآلاف السنين عالم الآلهة والكائنات الأسطورية، ولم تكن قط مكانا يمكن للمرء أن يتخيل السفر إليه، باستثناء القمر الذي جعله وجهه المرئي يبدو كعالم حقيقي. ولكن مع ذلك، لم تكن ثمة وسيلة للذهاب إليه غير الوسائل الخارقة للطبيعة. ورويدا رويدا أضحى بوسعنا أن نتخيل إيجاد تكنولوجيا للهروب من كوكب الأرض في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مع ظهور المناطيد، والسكك الحديدية، والسفن البخارية، وغيرها من الإنجازات التي تبدو إعجازية في وسائل المواصلات والاتصالات. ثمة تأثير آخر مهم وهو بزوغ علم الفلك الحديث في أوروبا؛ إذ حول القمر والكواكب إلى أماكن يستطيع المرء تخيل السير عليها، حتى وإن كان الذهاب إليها يبدو مستحيلا.
نشر الكثير من الحكايات الخيالية، بل التهكمية، مصورة السفر إلى الفضاء، ولكن أكثرها تأثيرا كانت مؤلفات الكاتب الفرنسي جول فيرن؛ فقصته «من الأرض إلى القمر» (1867) ومكملتها «حول القمر» (1870)، كانتا مثل باقي مؤلفاته في الخيال العلمي تضعان معيارا جديدا للواقعية التكنولوجية. وبصرف النظر عن حقيقة أن المدفع العملاق الذي استخدمه لقذف المسافرين للفضاء كان سيسحقهم على الفور في لحظة إشعاله، إلا إنه ألهم الحالمين لتخيل رحلة للقمر وكيف يمكن حل تلك المعضلة.
أحد هؤلاء الحالمين كان كونستانتين تسيولكوفسكي، الذي ولد عام 1857، الذي انتصر على إعاقة السمع ليصبح مدرسا في كالوجا بروسيا القيصرية. كان مهووسا في وقت فراغه بابتكار أفكار لرحلات الطيران في الجو وفي الفضاء. وقضى وقتا في تطوير أفكار المناطيد ذات المحركات أطول مما قضاه في مركبات الفضاء، ولكنه استوحى أفكاره من فيرن وأيضا من فلسفة روسية غريبة يطلق عليها «الكونية»، وهي فلسفة ترى أن اختراع السفر عبر الفضاء ربما يؤدي إلى كمال البشرية وإعادة إحياء الموتى، وشرع أيضا في البحث عن طريقة لقذف الأشياء في الفراغ. وبحلول عام 1883م أدرك أن الصاروخ يمكن أن ينجح في هذه المهمة.
1
لم يكن استخدام علم الصواريخ في رحلات الفضاء أمرا واضحا بأي حال من الأحوال. كان الصينيون قد اخترعوا صواريخ المسحوق الأسود نحو عام 1100 قبل الميلاد، كتطوير لصواريخ البارود. وأصبحت مهمة في الألعاب النارية وفي الحروب، خصوصا في آسيا، وانتقلت إلى أوروبا في أواخر العصور الوسطى. وحظيت الصواريخ بفرصة ثانية للحياة في الحروب النابوليونية، عندما طور المخترع البريطاني ويليام كونجريف أغلفة حديدية وأجرى تعديلات أخرى جعلتها أكثر تنافسية مع المدفعية التقليدية. ولكن علم الصواريخ خبا وهجه مرة أخرى في أواخر القرن التاسع عشر نظرا إلى أن مواسير البنادق كانت تتيح دقة أكبر في التصويب. مرة أخرى، نظرا إلى أن الصواريخ لم تكن سوى ألعاب نارية، فلم يكن ثمة إمكانية واضحة لأن تحمل على متنها مركبة بتلك السرعات التي لا يمكن تخيلها لرحلات الفضاء: 17500 ميل في الساعة لمدار الأرض المنخفض و25000 ميل في الساعة للهروب من الأرض، في الوقت الذي لم تكن فيه أية مركبة مأهولة قد سافرت حتى ذلك الحين بسرعة 100 ميل في الساعة. علاوة على ذلك، أدرك قليلون أن قانون الحركة الثالث لإسحاق نيوتن الذي ينص على أن «لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه» (كما في ردة فعل البندقية) ينطبق أيضا على الصواريخ. وكانت الفكرة الخاطئة المسيطرة هي أن دفقة العادم تحتاج إلى هواء لتدفع الصاروخ إلى الأمام.
نظرا إلى أن الصواريخ لم تكن سوى ألعاب نارية، فلم يكن ثمة إمكانية واضحة لأن تحمل على متنها مركبة بتلك السرعات التي لا يمكن تخيلها لرحلات الفضاء.
لكي يرى قدرة الصاروخ؛ حقق تسيولكوفسكي عدة وثبات خيالية تتجاوز حدود المسحوق الأسود. فقد استعان هذا العالم الهاوي، الذي علم نفسه بنفسه، بآخر الإنجازات المحققة في الكيمياء ليفهم أن حرق وقودين سائلين سيزيد مخرج الطاقة والكفاءة زيادة هائلة. بالإضافة إلى ذلك، سينتج الأكسجين السائل والهيدروجين السائل أعلى مخرج طاقة ممكن تقريبا، لكل وحدة من كتلة الوقود السائل. (أنتج الأكسجين السائل ، الذي يتكثف عند درجة حرارة −297 فهرنهايت، لأول مرة في معمل عام 1883، بينما أنتج الهيدروجين السائل، الذي يتكثف عند درجة حرارة −423 فهرنهايت، في عام 1898.) كذلك استخدم تسيولكوفسكي ميكانيكا نيوتن في حساب عجلة مثل هذا الصاروخ الافتراضي، الذي تتضاءل كتلته مع احتراق الوقود، وكان أول من كتب المعادلات الأساسية لحركة الصاروخ. وقد خلص من هذه الحسابات في النهاية إلى أن قصور أي جهاز يمكن أن يزيد عن طريق تكديس الأجهزة، وهو ما يعرف حاليا باسم التكديس. وقد سمح ذلك بالتخلص من الوزن غير المرغوب فيه في طريق الصعود، مما أتاح الوصول إلى سرعات أعلى.
Unknown page