Rahalat Fada
رحلات الفضاء: تاريخ موجز
Genres
1
بدأ العلماء والمهندسون وخبراء السياسة في بناء دعم جماهيري لمشروع القمر الصناعي. أجرت جمعية الصواريخ الأمريكية، التي أعادت تعريف نفسها كمنظمة قومية للهندسة بعد الحرب العالمية الثانية، دراسة عامة. وصنع لويد بيركنر، وهو قائد أمريكي علمي مؤثر له صلة وثيقة بإدارة الدفاع الأمريكية، قرارا في المؤتمر الجيوفيزيائي العالمي في خريف 1954 يروج لإطلاق أقمار صناعية لصالح مشروع السنة الجيوفيزيائية الدولية. واستهدفت هذه الحملة العلمية، التي كان من المقرر أن تبدأ في 1 يوليو 1957 وتستمر حتى 31 ديسمبر 1958، مع بلوغ نشاط الشمس ذروته، المناطق القطبية والغلاف الجوي والغلاف الأيوني للأرض. وكان من المتوقع أن تثمر قياسات الأقمار الصناعية عن الكثير من البيانات الجديدة، إلا أن بيركنر كانت لديه حوافز أخرى مهمة متعلقة بالحرب الباردة، ومنها مكانة الولايات المتحدة القومية، وربما أيضا سابقة إطلاق قمر صناعي لمراقبة البلدان الأخرى جوا.
2
في أثناء العام نفسه، عام 1954، كانت إدارة أيزنهاور تجري دراسة سرية للغاية حول احتمالية شن الاتحاد السوفييتي هجوما مفاجئا بالصواريخ وقاذفات القنابل النووية. وأقرت الدراسة عدة إجراءات، منها صنع الصاروخ الباليستي المتوسط المدى باعتباره حلا مؤقتا، وطائرة الاستطلاع ذات الارتفاع العالي كي تحلق فوق الاتحاد السوفييتي بصورة غير شرعية (سميت بعد فترة قصيرة «يو-2») وأيضا إطلاق قمر صناعي ليكون بمثابة سابقة للاستطلاع من الفضاء، وحل نهائي لمشاكل الاستخبارات. رأى خبراء القانون الدولي الأمريكان أن السيطرة القومية على الجو تنتهي عند الغلاف الجوي المدرك؛ ومن ثم فإن أي جسم يوضع في المدار يستطيع العمل بحرية. في ربيع 1955، كان هذا الرأي أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت الرئيس دوايت أيزنهاور يقرر المصادقة على مشروع القمر الصناعي للسنة الجيوفيزيائية الدولية الذي يحمل أجندة سياسية خفية.
3
في الاتحاد السوفييتي، تتبع سيرجي كوروليف وشركاؤه، خصوصا مهندس الطيران ميخائيل تيخونرافوف، أدبيات رحلات الفضاء الأمريكية والأوروبية وكافحوا من أجل إشعال روح الحماسة في وطنهم. وفي الفترة ما بين 1953 و1955، قاد تيخونرافوف فريقا صغيرا في معهده لكتابة تقرير طويل حول إمكانيات الأقمار الصناعية، بالتوازي مع دراسات مشابهة قامت بها مؤسسة راند الأمريكية بتمويل من القوات الجوية. وذكر التقرير تطبيقات عسكرية، لأسباب يرجع جزء منها إلى أن ذلك كان سيروق لصانعي القرار السوفييت. ولكن الاستطلاع، على الرغم من أهميته ، لم يكن جوهريا للشأن السوفييتي لأن الأسهل بالنسبة إلى السوفييت في ذلك الوقت كان التجسس على الولايات المتحدة المفتوحة نسبيا. في أواخر عام 1954، استطاع كوروليف وتيخونرافوف، وغيرهما من المتحمسين للفضاء إقناع أكاديمية العلوم المعتبرة بتشكيل لجنة لرحلات الفضاء. وعندما أعلنت إحدى الصحف في موسكو تشكيل هذه اللجنة في أبريل 1955، حدث ما لم يكن في الحسبان؛ إذ استغل الإعلام الغربي المقال، واعتبره دليلا على أن ثمة سباق فضاء يلوح في الأفق، مما عزز قرار إدارة أيزنهاور بتنفيذ مشروع قمر صناعي، ولكن على ألا يتعارض مع تطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
4
في الوقت نفسه، اكتسب «أوربيتر» زخما عندما درس أعضاء الفريق سبل تحسين قدراته على الحمل والتتبع. ولكنه فقد تتويجه الذي بدا حتميا باعتباره المشروع الأمريكي الرسمي في صيف 1955؛ إذ قدم ميلتون روزن، كبير مهندسي صاروخ التجارب «فايكينج» في معمل أبحاث البحرية الأمريكية، اقتراح مركبة جديدة ثلاثية المراحل تستند إلى تطوير «فايكينج». ومن ثم سارعت البحرية إلى إنهاء دعمها «لأوربيتر». وأنشأت إدارة الدفاع الأمريكية قائمة اختيار للاختيار من بين هذين الخيارين واقتراح آخر قدمته القوات الجوية يستند إلى مشروع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات «أطلس». وكان الأخير باهظ التكاليف، وسيستغرق وقتا أطول، ويفتقد إلى الدعم العالي المستوى في خدمته. وقد ظن الجنرال برنارد شريفر أنه سيشتته عن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات وبرامج الأقمار الصناعية الاستطلاعية. في بداية أغسطس 1955، اختارت اللجنة على نحو مفاجئ اقتراح معمل أبحاث البحرية الأمريكية؛ إذ صوت لصالحه خمسة في مقابل اثنين. أتاحت مركبة فضاء «فانجارد» حمولة 20 رطلا على الأقل، كما يوجد على متنها جهاز إرسال لاسلكي، الأمر الذي يثمر عن عوائد علمية أكبر بكثير. ربما كان ثمة سبب آخر ثانوي وهو أن المركبة كانت تبدو أكثر «مدنية» لأنها لم تستخدم صاروخا عسكريا كمرحلة. أحد أعضاء اللجنة أيضا كان يعتقد أن الأصل الألماني لصاروخ فون براون كان من مساوئه؛ ربما كان لا يزال يكن عداوة تجاه فون براون المهندس النازي سابقا. ولكن هذه الأسباب الثانوية لم تكن حاسمة، كما لم تلعب مسألة المراقبة الجوية من الفضاء دورا؛ في الواقع يبدو أنها كانت سرية للغاية لدرجة أن معظم أعضاء اللجنة لم يكونوا على علم بها. ذهل الجيش وفون براون بحلول صاروخ يحتاج إلى الكثير من التطوير محل صاروخ يستند إلى أجهزة متاحة بالفعل. وحاول الجيش محاولة أخيرة أن يقترح حلا وسطا، بأن يطلق القمر الصناعي الخاص بالبحرية الأمريكية، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل. وبعد أن ذاعت حكاية قرار «فانجارد» بعد عامين، بعد «سبوتنيك»، أثارت الكثير من الاتهامات المتبادلة في الولايات المتحدة.
5
قبل وصول اللجنة لقرارها المبدئي بأيام، كان البيت الأبيض قد أعلن عن القمر الصناعي الخاص بمشروع السنة الجيوفيزيائية الدولية في 29 يوليو 1955، متصدرا عناوين الصحف العالمية. وكان الاتحاد الدولي للملاحة الفضائية يعقد اجتماعه السنوي في كوبنهاجن الدنمارك، وهو الاجتماع الأول الذي يحضره ممثلو الاتحاد السوفييتي. في 2 أغسطس، أخبر ليونيد سيدوف، الرئيس الاسمي للجنة رحلات الفضاء، الصحافة بأن الاتحاد السوفييتي سوف يطلق أقمارا صناعية أيضا. ويبدو أن هذه العبارة كانت تفتقر إلى الدعم السياسي العالي المستوى، ولكنها ربما كانت بتوجيه من كوروليف وغيره في موسكو، الذين كانوا يعملون في سرية فرضتها الدولة. في 1955-1956، أنتجوا قمرا صناعيا جيوفيزيائيا كبيرا جدا باسم «سبوتنيك 3»، وحصلوا على الموافقة عليه، وكان القمر يزن نصف طن وكان من المقرر إطلاقه أخيرا في عام 1958، بفضل قوة الحمل الهائلة للصاروخ «آر-7». ولكن في أواخر عام 1956، ساور كوروليف القلق من أن السوفييت سيأتون في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في سباق الفضاء، بسبب القمر الصناعي الأول. وأبقى فون براون وقادته في الجيش على مشروعهم، في ترسانة «ريدستون»، مقتنعين بأن «فانجارد» ستفشل لا محالة. بمساعدة قرار أيزنهاور بالموافقة على صاروخ «جوبيتر» متوسط المدى، وضعوا خطة لاستخدام نسخة معدلة من مركبة الإطلاق «أوربيتر» لاختبار تقنيات الدرع الحراري لكي تحتمل القذائف النووية إعادة الدخول. وسميت هذه النسخة «جوبيتر-سي» للدلالة على أولويات ذلك البرنامج، على الرغم من أن المرحلة الأولى كانت «ريدستون». وفي سبتمبر 1956 أجري اختبار نتج عنه رقم قياسي عالمي؛ إذ وصلت القذيفة إلى مسافة 3355 ميلا. وكان كوروليف، نظرا للشائعات التي روجت في الصحافة الغربية، مقتنعا بأن فون براون قد أخفق في محاولة إطلاق قمر صناعي. فوضعت جماعته خطة لإطلاق جسم أبسط يحمل جهاز إرسال لاسلكي، وهو ما أطلق عليه لاحقا «سبوتنيك 1». كان من الممكن إطلاقه بمجرد نجاح اختبارات صاروخ «آر-7» الباليستي العابر للقارات الأول.
Unknown page