فَيَعُودُ مَعْنَى الْحَدِيثِ إلَى لَعْنَةِ الْكُفَّارِ، وَالْكُفْرُ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِإِنْكَارِ هَذَا الْحُكْمِ الْجُزْئِيِّ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ كَذَّبَ الرَّسُولَ فِي حُكْمِهِ بِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ بَاطِلٌ.
ثُمَّ هَذَا كَلَامٌ عَامٌّ عُمُومًا لَفْظِيًّا وَمَعْنَوِيًّا، وَهُوَ عُمُومٌ مُبْتَدَأٌ.
وَمِثْلُ هَذَا الْعُمُومِ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الصُّوَرِ النَّادِرَةِ؛ إذْ الْكَلَامُ يَعُودُ لُكْنَةً وَعَيًّا، كَتَأْوِيلِ مَنْ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ ﷺ: ﴿أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ مِنْ غَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فنكاحُها باطلٌ﴾ (١) عَلَى الْمُكَاتَبَةِ.
وَبَيَانُ نُدرتهِ: أَنَّ الْمُسْلِمَ الْجَاهِلَ لَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ، وَالْمُسْلِمَ الْعَالِمَ بِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لَا يَشْتَرِطُهُ مُعْتَقِدًا وُجُوبَ الْوَفَاءِ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا، وَالْكَافِرُ لَا يَنْكِحُ نِكَاحَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنَافِقًا، وَصُدُورُ هَذَا النِّكَاحِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ أَنْدَرِ النَّادِرِ. وَلَوْ قِيلَ: إنَّ مِثْلَ هَذِهِ الصُّورَةِ لَا تَكَادُ تَخْطُرُ بِبَالِ الْمُتَكَلِّمِ، لَكَانَ الْقَائِلُ صَادِقًا.
وَقَدْ ذَكَرْنَا الدَّلَائِلَ الْكَثِيرَةَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى
(١) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة، من حديث عائشة ﵂. وصححه أبو عوانة، وابن حبان والحاكم.
1 / 69