بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب يسر وأعن
الْحَمد لله الَّذِي رَضِي الْإِسْلَام لمن أحب دينا وغرس الْإِيمَان فِي قُلُوبهم فأثمرت بإخلاص طَاعَته فنونا وَأَعَانَهُمْ على عِبَادَته عناية مِنْهُ فأعظم بِهِ معينا وَحمى أعراضهم من الْفُسَّاق الَّذين توعدهم بقوله تَعَالَى يَقِينا ﴿وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات بِغَيْر مَا اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مُبينًا﴾
فنحمد الله على جزيل نعمه بالاسلام ونشكره على جميل كرمه وَجَمِيع الإنعام ونسأله أَن يَقِينا شَرّ ذَوي الْهوى وَيَكْفِينَا أَذَى الجهلة الطغام
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة خَالِصَة لَا ريب فِيهَا وعقيدة سَالِمَة لَا تَشْبِيه يُفْسِدهَا وَلَا تَعْطِيل يعتريها ونقر بِأَن الله سُبْحَانَهُ ﴿لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير﴾ تمجيدا لَهُ وتنزيها
1 / 3
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي أرْسلهُ رَحْمَة مهداة وابتعثه نعْمَة لمن اتبع هداه وَجعله نقمة على من ابتدع بهواه فلطريقته النَّبَوِيَّة يقتفي الأخيار وبشريعته المحمدية يَقْتَدِي الْأَبْرَار وعَلى سنته المرضية يحافظ حفاظ الْآثَار صلى الله عَلَيْهِ أفضل صلواته وأشرف وحياه بأزكى تحياته وأطرف وَأكْرم وأنعم وأتحف وَعرف وَرَضي الله عَن آله سراة الْأَئِمَّة وَأَصْحَابه هداة الْأمة مَا أذهبت أنوار الْحق ظلمات الْبَاطِل المدلهمة وَسلم تَسْلِيمًا
أما بعد فَإِن الله ﷿ وَله الْمِنَّة الْعُظْمَى أكمل هَذَا الدّين تممه حكما وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك فِي كِتَابه الْمنزل على خير مُرْسل حتما بَقينَا ﴿الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا﴾ فَلم يبْق بعد الْكَمَال غَايَة ترَاد وَلَا حكم يُوجب وَلَا فَرِيضَة تزاد وَالدّين الْمشَار إِلَيْهِ مَا شَرعه سيدنَا رَسُول الله صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ وَإِنَّمَا شَرعه بِأَمْر الله ووحيه وكشف بِإِذْنِهِ عَن حَقِيقَة أوامره وَنَهْيه يعلم ذَلِك مُبينًا مشروحا من قَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى﴾
وَخرج الإِمَام الزَّاهِد الْكَبِير أَبُو الْفَتْح نصر بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي فِي كِتَابه الْحجَّة على تَارِك المحجة من حَدِيث سُرَيج بن يُونُس عَن المعاوفي
1 / 4
ابْن عمرَان عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن أبي عبيد يَعْنِي حَاجِب سُلَيْمَان بن عبد الْملك عَن الْقَاسِم بن مخيمرة عَن ابْن نضيلة قَالَ رَسُول الله ﷺ لَا يسألني الله ﷿ عَن سنة أحدثتها فِيكُم لم يَأْمُرنِي الله ﷿ بهَا وَرَوَاهُ أَبُو بكر ابْن أبي عَليّ فَقَالَ أَنا القَاضِي أَبُو أَحْمد مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن إِبْرَاهِيم ثَنَا أَحْمد بن هَارُون ثَنَا سُلَيْمَان بن سيف ثَنَا أَيُّوب بن خَالِد ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ حَدثنِي أَبُو عبيد حَاجِب سُلَيْمَان بن عبد الْملك حَدثنِي الْقَاسِم بن مخيمرة حَدثنِي طَلْحَة بن نضيلة قَالَ قبل لرَسُول الله ﷺ سعر لنا يَا رَسُول الله فَقَالَ لَا يسألني الله ﷿ عَن سنة أحدثتها فِيكُم لم يَأْمُرنِي بهَا وَلَكِن سلوا الله من فَضله
تابعهما أَبُو يُوسُف مُحَمَّد بن كثير المصِّيصِي وَأَبُو الْمُغيرَة عبد القدوس ابْن الْحجَّاج الْخَولَانِيّ وَعِيسَى بن يُونُس عَن الْأَوْزَاعِيّ بِنَحْوِهِ
وَأَبُو عبيد مولى سُلَيْمَان بن عبد الْملك من ثِقَات تَابِعِيّ أهل الشَّام اخْتلف فِي اسْمه فَقيل حييّ سَمَّاهُ مُسلم بن الْحجَّاج فِي كِتَابه الكنى
1 / 5
وَصدر بِهِ البُخَارِيّ كَلَامه فِي التَّارِيخ الْكَبِير وَقَالَ سَمَّاهُ هَكَذَا عبد الله ابْن أبي الْأسود ثمَّ قَالَ قَالَ عبد الحميد بن جَعْفَر حوي انْتهى
وَابْن نضيلة مُخْتَلف فِي صحبته فالجمهور أَنه تَابِعِيّ كنيته أَبُو مُعَاوِيَة كُوفِي وَقَالَ أَبُو بكر ابْن أبي دَاوُد السجسْتانِي ثَنَا عَليّ بن خشرم وَعبد الله ابْن سعيد قَالَا ثَنَا عِيسَى بن يُونُس عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن حسان بن عَطِيَّة قَالَ كَانَ جِبْرِيل ﵇ ينزل على النَّبِي ﷺ بِالسنةِ كَمَا ينزل بِالْقُرْآنِ يُعلمهُ إِيَّاهَا كَمَا يُعلمهُ الْقُرْآن
تابعهما نعيم بن حَمَّاد عَن عِيسَى وَرَوَاهُ روح بن عبَادَة وَأَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ وَمُحَمّد بن كثير المصِّيصِي عَن الْأَوْزَاعِيّ نَحوه
1 / 6
وجوب اتِّبَاع السّنة
فَالْوَاجِب على كل مُسلم اتِّبَاع السّنة المحمدية واقتفاء الْآثَار النَّبَوِيَّة الأحمدية الَّتِي مِنْهَا التَّمَسُّك بِسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين والتبرك بآثار الْأَئِمَّة المهديين وَلَقَد اقام النَّاس على ذَلِك بعد عصر النُّبُوَّة زَمَانا تابعين للشريعة النَّبَوِيَّة احتسابا وإيمانا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الإِمَام أَبُو الفنح نصر بن إِبْرَاهِيم الْمَقْدِسِي فِي كتاب الْحجَّة فَقَالَ
وَقد كَانَ النَّاس على ذَلِك زَمَانا بعده إِذْ كَانَ فيهم الْعلمَاء وَأهل الْمعرفَة بِاللَّه من الفهماء من أَرَادَ تَغْيِير الْحق منعُوهُ وَمن ابتدع بِدعَة زجروه وَإِن زاغ عَن الْوَاجِب قوموه وبينوا لَهُ رشده وفهموه فَلَمَّا ذهب الْعلمَاء من الْحُكَمَاء ركب كل وَاحِد هَوَاهُ فابتدع مَا أحب وارتضاه وناظر أهل الْحق عَلَيْهِ ودعاهم بجهله إِلَيْهِ وزخرف لَهُم القَوْل بِالْبَاطِلِ فتزين بِهِ وَصَارَ ذَلِك عِنْدهم دينا يكفر من خَالفه ويلعن من باينه وساعده على ذَلِك من لَا علم لَهُ من الْعَوام ويوقع بِهِ الظنة وَالْإِيهَام وَوجد على ذَلِك الْجُهَّال أعوانا وَمن أَعدَاء الْعلم أخدانا أَتبَاع كل ناعق ومجيب كل زاعق لَا يرجعُونَ فِيهِ إِلَى دين وَلَا يعتمدون
1 / 7
على يَقِين قد تمكنت لَهُم بِهِ الرِّئَاسَة فَزَادَهُم ذَلِك فِي الْبَاطِل نفاسة تزينوا بِهِ للعامة ونسوا شَدَائِد يَوْم الطامة
ثمَّ روى الشَّيْخ نصر بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُحَمَّد بن عبد الله ابْن أبي الثَّلج قَالَ حَدثنَا الْهَيْثَم بن خَارِجَة ثَنَا هَيْثَم بن عمرَان الْعَبْسِي سَمِعت إِسْمَاعِيل ابْن عبيد الله المَخْزُومِي يَقُول يَنْبَغِي لنا أَن نتحفظ مَا جَاءَنَا عَن رَسُول الله ﷺ فَإِن الله ﷿ قَالَ ﴿وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا﴾ فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْقُرْآن
1 / 8
لَا يقطع بالنَّار لأحد من أهل التَّوْحِيد
ثمَّ ذكر فِي مَعْنَاهُ عدَّة أَحَادِيث وآثار مروية فِي وجوب اقتفاء السّنة النَّبَوِيَّة الَّتِي مِنْهَا حكم مَسْأَلَة الْوَعيد وَالْقطع بالنَّار لأحد من أهل التَّوْحِيد هَذِه أول مَسْأَلَة فِيمَا قيل وَقع فِيهَا النزاع الطَّوِيل وبسببها وَحدثت بِدعَة الاعتزال وارتكس أَهلهَا فِي دركة الضلال فَفِي زمن التَّابِعين كالحسن الْبَصْرِيّ وَابْن سِيرِين اخْتلفت طَائِفَة جلة فِي حكم الْفَاسِق من أهل الْملَّة فَذهب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَنه لَا يخرج من مِلَّة الاسلام بفسوقه عَن الطَّاعَة وَطَائِفَة حكمت بِأَنَّهُ لَا مُؤمن وَلَا كَافِر لكنه يخلد فِي النَّار بِمَا ارْتكب من الْكَبَائِر وَكَانَ هَؤُلَاءِ فِيمَا خلا من الزَّمن يَجْلِسُونَ لأخذ الْعلم فِي حَلقَة الْحسن فاعتزلوا الْحلقَة لمخالفتهم أَهلهَا بِمَا تقدم فلقبوا بذلك معتزلة لَكِن عَن الْخَيْر إِلَى المأثم ثمَّ أطلق الاعتزال على مَذْهَبهم شهرة وَكَانَ ذَلِك على رَأس الْمِائَة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة ثمَّ اتَّسع عَلَيْهِم مجَال الاعتزال مَعَ ضيقه فتاهوا عَن الْحق وَضَلُّوا عَن طَرِيقه
وَذَهَبت الْخَوَارِج إِلَى أَن الْمُسلم صَاحب الذُّنُوب الْكِبَار كَافِر عِنْدهم مخلد فِي النَّار وَهَذَا مَذْهَب بَاطِل أحدثه أهل المروق بتكفير من كَانَ من أهل الْقبْلَة بالفسوق
وَالْحق الَّذِي لَا ريب فِيهِ وَلَا خلل يَعْتَرِيه أَن الحكم على مُسلم معِين بِدُخُول النَّار غير جَائِز على مَا جزم بِهِ جُمْهُور أهل الْعلم وحمال الْآثَار
1 / 9
لانْتِفَاء حكم الْوَعيد عَنهُ وَخُرُوجه سالما مِنْهُ إِمَّا بتوبة خَالِصَة أَو حَسَنَة ماحية أَو مُصِيبَة مكفرة أَو شَفَاعَة مَقْبُولَة مَاضِيَة
قَالَ الامام أَبُو عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي كتاب السّنة الَّذِي رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن جَعْفَر بن يَعْقُوب بن عبد الله الْفَارِسِي الاصطخري عَن الإِمَام أَحْمد قَالَ هَذِه مَذَاهِب أهل الْعلم وَأَصْحَاب الْآثَار وَأهل السّنة المتمسكين بعروتها المعروفين بهَا المقتدى بهم فِيهَا من لدن أَصْحَاب النَّبِي ﷺ الى يَوْمنَا هَذَا وَأدْركت من أدْركْت من عُلَمَاء أهل الْحجاز وَالشَّام وَغَيرهم عَلَيْهَا فَذكر السّنة وَمِنْهَا
قَالَ والكف عَن أهل الْقبْلَة وَلَا نكفر أحدا مِنْهُم بذنب وَلَا نخرجهُ من الْإِسْلَام بِعَمَل إِلَّا أَن يكون فِي ذَلِك حَدِيث فيروى الحَدِيث وكما جَاءَ وكما رُوِيَ ونصدقه ونقبله ونعلم أَنه كَمَا رُوِيَ نَحْو ترك الصَّلَاة شرب الْخمر وَمَا أشبه ذَلِك أَو يبتدع بِدعَة بِنسَب صَاحبهَا إِلَى الْكفْر وَالْخُرُوج من الاسلام فَاتبع الْأَثر فِي ذَلِك وَلَا تجاوزه وَذكر بَقِيَّة شرح السّنة
وَمعنى هَذَا الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور يرْوى عَن الزُّهْرِيّ وَغَيره من أَئِمَّة الْمَأْثُور من أَن حَدِيث لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن وَنَحْوه من الْأَحَادِيث يُؤمن بهَا وتمر على مَا جَاءَت كَمَا أمرهَا من كَانَ قبلنَا وَلَا يخاض فِي مَعْنَاهَا
وَالَّذِي عَلَيْهِ إِجْمَاع أهل الْحق على أَن الزَّانِي وَنَحْوه من أَصْحَاب الْكَبَائِر غير الشّرك لَا يكفرون بذلك بل هم مُؤمنُونَ ناقصو الْإِيمَان إِن تَابُوا سَقَطت عقوبتهم وَإِن مَاتُوا مصرين على الْكَبَائِر كَانُوا فِي مَشِيئَة الله إِن شَاءَ عَفا عَنْهُم وأدخلهم الْجنَّة وَإِن شَاءَ عذبهم ثمَّ أدخلهم الْجنَّة
1 / 10
عدم جَوَاز اللَّعْن
وَقَالَ الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام مُحي الدّين أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيّ رَحْمَة الله عَلَيْهِ وَاتفقَ الْعلمَاء على تَحْرِيم اللَّعْن فَإِنَّهُ فِي اللُّغَة الابعاد والطرد وَفِي الشَّرْع الإبعاد من رَحْمَة الله فَلَا يجوز أَن يبعد من رَحْمَة الله من لَا يعرف حَاله وخاتمة أمره معرفَة قَطْعِيَّة فَلهَذَا قَالُوا لَا يجوز لعن أحد بِعَيْنِه مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا أَو دَابَّة إِلَّا من علمنَا بِنَصّ شَرْعِي أَنه مَاتَ على الْكفْر أَو يَمُوت عَلَيْهِ كَأبي جهل وإبليس
وَأما اللَّعْن بِالْوَصْفِ فَلَيْسَ بِحرَام كلعن الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة والواشمة والمستوشمة وآكل الرِّبَا وموكله والمصورين والظالمين والفاسقين والكافرين وَلعن الله من غير منار الآرض وَمن تولى غير موَالِيه وَمن انتسب إِلَى غير أَبِيه وَمن أحدث فِي الْإِسْلَام حَدثا أَو آوى مُحدثا وَغير ذَلِك مِمَّا جَاءَت النُّصُوص الشَّرْعِيَّة بإطلاقة على الْأَوْصَاف لَا على الْأَعْيَان وَالله أعلم قَالَه فِي شرح صَحِيح مُسلم
فلعن الْمُسلم الْمعِين حرَام وَأَشد مِنْهُ رميه بالْكفْر وَخُرُوجه من الْإِسْلَام وَفِي ذَلِك أُمُور غير مرضية
1 / 11
مِنْهَا إشمات الْأَعْدَاء بِأَهْل هَذِه الْملَّة الزكية وتمكينهم بذلك من الْقدح فِي الْمُسلمين واشتضعافهم لشرائع هَذَا الدّين
وَمِنْهَا أَنه رُبمَا يقْتَدى بالرامي فِيمَا رمى فيتضاعف وزره بِعَدَد من تبعه مأثما وَقل أَن يسلم من رمى بِكفْر مُسلما فقد خرج أَبُو حَاتِم مُحَمَّد بن حبَان فِي صَحِيحه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ مَا أكفر رجل رجلا إِلَّا بَاء بِأَحَدِهِمَا بهَا فَإِن كَانَ كَافِرًا وَإِلَّا كفر بتكفيره وَله شَاهد فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي ذَر وَابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ لَهُ شَاهد أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَصَحَّ عَن ثَابت ابْن الضَّحَّاك ﵁ أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ وَمن رمى مُؤمنا بِكفْر فَهُوَ كقتله وَخرج أَبُو بكر الْبَزَّار فِي مُسْنده عَن عمرَان بن حُصَيْن ﵄ قَالَ رَسُول الله ﷺ إِذا قَالَ الرجل لِأَخِيهِ يَا كَافِر فَهُوَ كقتله
وروينا من حَدِيث الثَّوْريّ عَن يزِيد ابْن أبي زِيَاد عَن عَمْرو بن سَلمَة قَالَ سَمِعت عبد الله بن مَسْعُود ﵁ يَقُول مَا من مُسلمين إِلَّا وَبَينهمَا ستر من الله ﷿ فَإِن قَالَ أَحدهمَا لِأَخِيهِ كلمة هجر خرق ستر الله الَّذِي بَينهمَا وَلَا قَالَ أَحدهمَا أَنْت كَافِر إِلَّا كفر أَحدهمَا تَابعه مُحَمَّد بن فُضَيْل وَأَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ عَن يزِيد
1 / 12
فَهَل بعد هَذَا الْوَعيد من مزِيد فِي التهديد وَلَعَلَّ الشَّيْطَان يزين لمن اتبع هَوَاهُ وَرمى بالْكفْر وَالْخُرُوج من الْإِسْلَام أَخَاهُ أَنه تكلم فِيهِ بِحَق ورماه وَأَنه من بَاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل لَا يَسعهُ السُّكُوت عَن الْقَلِيل من ذَلِك فَكيف بالجليل
هَيْهَات هَيْهَات إِن فِي مجَال الْكَلَام فِي الرِّجَال عقبات مرتقيها على خطر ومرتقبها هوى لَا منجى لَهُ من الأثم وَلَا وزر فَلَو حاسب نَفسه الرَّامِي أَخَاهُ مَا السَّبَب الَّذِي هاج ذَلِك لتحَقّق أَنه الْهوى الَّذِي صَاحبه هَالك
1 / 13
طَبَقَات النقاد
وَالْكَلَام فِي الرِّجَال ونقدهم يَسْتَدْعِي أمورا فِي تعديلهم وردهم مِنْهَا أَن يكون الْمُتَكَلّم عَارِفًا بمراتب الرِّجَال وأحوالهم فِي الانحراف والاعتدال ومراتبهم من الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال وَأَن يكون من أهل الْوَرع وَالتَّقوى مجانبا للعصبية والهوى خَالِيا من التساهل عَارِيا عَن غَرَض النَّفس بالتحامل مَعَ الْعَدَالَة فِي نَفسه والاتقان والمعرفة بالأسباب الَّتِي يجرح بِمِثْلِهَا الانسان وَإِلَّا لم يقبل قَوْله فِيمَن تكلم وَكَانَ مِمَّن اغتاب وفاه بِمحرم
وَإِذا نَظرنَا فِي طَبَقَات النقاد من كل جيل الَّذين قبل قَوْلهم فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل رأيناهم أَئِمَّة بِمَا ذكر موصوفين وعَلى سَبِيل نصيحة الْأمة متكلمين كمن كَانَ فِي الْمِائَة وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة وَمَا قاربها من السنين فِي طبقَة النقاد المهرة مثل شُعْبَة بن الْحجَّاج وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري سُفْيَان وَمَالك وَاللَّيْث والحمادين وَمُحَمّد بن مطرف أبي غَسَّان
ثمَّ طبقَة من كَانَ قبيل الْمِائَة الثَّانِيَة من الائمة الَّذين أَقْوَالهم مَاضِيَة كَعبد الله بن الْمُبَارك وَجَرِير بن عبد الحميد وهشيم بن بشير وسُفْيَان ابْن عُيَيْنَة وَإِسْمَاعِيل ابْن علية وَأبي مُعَاوِيَة الضَّرِير وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَهُوَ أول من انتدب للنقد فِي هَذَا الشَّأْن
1 / 14
وَبعده عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وطبقته إِلَى حُدُود الْمِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ كَأبي دَاوُد سُلَيْمَان بن دَاوُد الطَّيَالِسِيّ والامام أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي وَآخَرين
ثمَّ تلاهم بعد ذَلِك يحيى بن معِين فِي نقد الرِّجَال وَلَا يضر اخْتِلَاف الرِّوَايَة فِي وَاحِد بأقوال وَكَذَلِكَ الامام أَحْمد بن حَنْبَل وَخلق من هَذِه الطَّبَقَة يحكم بنقدهم وَيعْمل مثل مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَمُحَمّد بن عبد الله بن عمار وَعَمْرو بن عَليّ الفلاس وقتيبة وَمُحَمّد بن بشار بنْدَار
وبعدهم طبقَة البُخَارِيّ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل
وقبيل الثلاثمائة بِقَلِيل كمحمد بن يحيى الذهلي وَعبد الله الدَّارمِيّ وَأحمد بن الْفُرَات وَأبي زرْعَة عبيد الله بن عبد الْكَرِيم وَابْن خَالَته أبي حَاتِم الرازيين وَخلق من الْأَثْبَات
ثمَّ طبقَة مَا بَين الْمِائَتَيْنِ وَسبعين إِلَى بعيد الثلاثمائة من السنين كَأبي عِيسَى مُحَمَّد بن عِيسَى التِّرْمِذِيّ وَأبي عبد الرَّحْمَن أَحْمد بن شُعَيْب النَّسَائِيّ وَمُحَمّد ابْن مَاجَه وَآخَرين مِنْهُم أَبُو يعلى الْموصِلِي وَأحمد بن نصر الْخفاف وَعبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل وَإِبْرَاهِيم بن معقل النَّسَفِيّ وَأسلم بن سهل بحشل
وَمن بعد عصرهم بِقَلِيل كالمصنف النَّبِيل إِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بن إِسْحَاق ابْن خُزَيْمَة وَعبد الله ابْن أبي دَاوُد وَأبي بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الامام وَمُحَمّد بن جرير وَيحيى بن صاعد وَغَيرهم من الاعلام
ثمَّ طبقَة بعد الْعشْرين وثلاثمائة عَام إِلَى بعد الْأَرْبَعين من الأعوام كَأبي حَامِد أَحْمد بن الشَّرْقِي وَأبي جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد الطَّحَاوِيّ الامام
1 / 15
وَعبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم وَأبي جَعْفَر الْعقيلِيّ مُحَمَّد بن عَمْرو وَالْحُسَيْن ابْن إِسْمَاعِيل الْمحَامِلِي وَغَيرهم من نقاد هَذَا الْأَمر
ثمَّ طبقَة من كَانَ من الناقدين إِلَى بعيد الثلاثمائة وَسبعين كَأبي الْحُسَيْن عبد الْبَاقِي بن قَانِع وَأبي أَحْمد مُحَمَّد بن أَحْمد الْعَسَّال وَأبي حَاتِم مُحَمَّد ابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَأبي أَحْمد عبد الله بن عدي وعدة من الرِّجَال
ثمَّ طبقَة من كَانَ بعدهمْ من الْأَعْلَام إِلَى حُدُود أَرْبَعمِائَة عَام وفيهَا قل الاعتناء بالآثار لما ظهر من الْبدع وثار لاستيلاء آل بويه على الْعرَاق وَبني عبيد الباطنية على مصر وَغَيرهَا من الْآفَاق وَكَانَ فِي هَذِه الطَّبَقَة عدَّة من أَئِمَّة السّنة النبل كَأبي الْحسن عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ وَبِه ختم معرفَة الْعِلَل وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مَنْدَه الْعَبْدي وَالْحَاكِم أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الضَّبِّيّ
ثمَّ من بعدهمْ إِلَى بعيد الأربعمائة وَثَلَاثِينَ عدَّة من نقاد الْمُحدثين كَعبد الْغَنِيّ بن سعيد وَأحمد بن عَليّ السُّلَيْمَانِي وَأبي بكر أَحْمد بن مرْدَوَيْه وَمُحَمّد ابْن أبي الفوارس وَأبي نعيم أَحْمد بن عبد الله الْأَصْفَهَانِي
ثمَّ من كَانَ من الْأَعْلَام إِلَى حُدُود الْخمسين وَأَرْبَعمِائَة عَام كَأبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ الصُّورِي وَالْحسن بن مُحَمَّد الْخلال والخليل بن عبد الله الخليلي وعدة من الرِّجَال
ثمَّ من كَانَ بعد الْخمسين إِلَى حُدُود أَرْبَعمِائَة وَثَمَانِينَ كَأبي بكر الْبَيْهَقِيّ الامام وَعبد الله بن مُحَمَّد الانصاري شيخ الاسلام وَأبي بكر أَحْمد بن عَليّ خطيب بَغْدَاد وَأبي عمر بن عبد الْبر وَأبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ وعدة من النقاد
ثمَّ من كَانَ بعدهمْ إِلَى بعد الْخَمْسمِائَةِ بِقَلِيل كَأبي نصر عَليّ بن مَاكُولَا وَالشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي النَّبِيل وَأبي عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الغساني وَأبي عَليّ
1 / 16
أَحْمد بن مُحَمَّد البرداني
ثمَّ من كَانَ بعد الْخَمْسمِائَةِ بِنَحْوِ أَرْبَعِينَ سنة مقدرَة كمحيي السّنة الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الْبَغَوِيّ وَالْقَاضِي أبي عَليّ الْحُسَيْن بن سكرة
ثمَّ من كَانَ من نقاد الْمُحدثين بعد الْخَمْسمِائَةِ وَأَرْبَعين كَأبي الْفضل مُحَمَّد بن نَاصِر والسلفي أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي طَاهِر وَالْقَاضِي عِيَاض ويوسف بن الدّباغ أبي الْوَلِيد وَأبي بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن الْعَرَبِيّ الْمُفِيد وَأبي الْعَلَاء الْحسن بن أَحْمد شيخ همذان وَأبي مُوسَى مُحَمَّد ابْن أبي بكر الْمَدِينِيّ مُحدث أصفهان وَأبي الْقَاسِم عَليّ ابْن عَسَاكِر حَافظ الشَّام وَأبي سعد عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن السَّمْعَانِيّ الامام
ثمَّ من كَانَ الى حُدُود الستمائة وبعيدها من نقاد الرِّجَال كَعبد الْحق الاشبيلي وَأبي الْقَاسِم خلف ابْن بشكوال وَأبي بكر مُحَمَّد بن مُوسَى الْحَازِمِي وَعبد الرَّحْمَن ابْن الْجَوْزِيّ الْعَالم الْجواد وَأبي المحاسن عمر بن عَليّ الدِّمَشْقِي وعدة من النقاد كَعبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي وَعبد الْقَادِر الرهاوي وَعبد الْعَزِيز بن الْأَخْضَر بِبَغْدَاد وَعلي بن الْمفضل الاسكندراني وَأبي نزار ربيعَة بن الْحسن الْيَمَانِيّ
ثمَّ كَانَ فِي الْمِائَة السَّابِعَة طَائِفَة لمن تقدم تَابِعَة كَأبي الْحسن عَليّ بن الْقطَّان النَّبِيل واسماعيل ابْن الانماطي ويوسف بن خَلِيل والضياء مُحَمَّد ابْن عبد الْوَاحِد وَأبي الرّبيع سُلَيْمَان بن مُوسَى النَّاقِد
ثمَّ من بعدهمْ جمَاعَة من الاعلام كَأبي عَمْرو عُثْمَان ابْن الصّلاح الامام والزكي عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ وَأحمد بن مَحْمُود الْجَوْهَرِي
ثمَّ طبقَة النواوي شيخ الاسلام وَأبي مُحَمَّد عبد الْمُؤمن الدمياطي
1 / 17
الامام والمحب أَحْمد بن عبد الله الطَّبَرِيّ مُصَنف الْأَحْكَام والعلامة أبي الْفَتْح مُحَمَّد ابْن دَقِيق الْعِيد وَأحمد بن فَرح الاشبيلي الْمُفِيد
ثمَّ من بعدهمْ طبقَة أبي الْحجَّاج الْمزي حَامِل راية هَذَا الشان يُوسُف ابْن الزكي عبد الرَّحْمَن وَأبي الْعَبَّاس أَحْمد ابْن تَيْمِية علم الْأَعْيَان وَالقَاسِم ابْن البرزالي ناقد الرِّجَال وَأبي عبد الله مُحَمَّد ابْن الذَّهَبِيّ صَاحب ميزَان الِاعْتِدَال وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن سامة ومحمود ابْن أبي بكر الفرضي الْعَلامَة وَعبد الْكَرِيم الْحلَبِي قطب الدّين وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن سيد النَّاس فِي آخَرين
ثمَّ طبقَة مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي الْمُفِيد والمؤرخ الدهلي سعيد وَأحمد ابْن مظفر أحد الأيقاظ وخليل العلائي فَقِيه الْحفاظ والعلامة إِسْمَاعِيل ابْن كثير صَاحب التَّارِيخ وَالتَّفْسِير وَالسَّيِّد الْحُسَيْنِي مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن الشَّامي وَأبي الْمَعَالِي مُحَمَّد بن رَافع السلَامِي وَطَائِفَة ناقدة محررة كشيخنا أبي بكر مُحَمَّد بن الْمُحب صَاحب كتاب التَّذْكِرَة
1 / 18
الطعْن بِسَبَب الْمَذْهَب
فَإِذا نَظرنَا فِي كَلَام من ذكر وأشير إِلَيْهِ رَأينَا كلا مِنْهُم يعْتَمد فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل عَلَيْهِ وَلم نر أحدا مِنْهُم عمد إِلَى إِمَام جليل ثِقَة نبيل رَمَاه عَن الْإِسْلَام بالتحويل وَلَا أفْصح بِكُفْرِهِ تَصْرِيحًا وَلَا حكم عَلَيْهِ بعد مَوته بالْكفْر تجريحا حاشا أَئِمَّة هَذِه السّنة من الْميل عَن سنَن الْهدى أَو الانحراف إِلَى قلَّة الانصاف بِاتِّبَاع الْهوى لَكِن بعض الْأَعْيَان تكلم فِي بعض الأقران مثل كَلَام أبي نعيم فِي ابْن مَنْدَه وَابْن مَنْدَه فِيهِ فَلَا نتَّخذ كَلَامهمَا فِي ذَلِك عُمْدَة بل وَلَا نحكيه لِأَن النَّاقِد إِذا بحث عَن سَبَب الْكَلَام فِي مثل ذَلِك وانتقد رَآهُ إِمَّا لعداوة أَو لمَذْهَب أَو لحسد وَقل أَن يسلم عصر بعد تِلْكَ الْقُرُون الثَّلَاثَة من هَذِه المهالك وَمن نظر فِي التَّارِيخ الاسلامي فضلا عَن غَيره حقق ذَلِك وَمَا وَقع مِنْهُ فِي الْأَغْلَب كَانَ سَببه الْمَذْهَب
وَلَقَد قَالَ إِمَام الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَالْمُعْتَمد عَلَيْهِ فِي الْمَدْح والقدح أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن الذَّهَبِيّ فِيمَا وجدته بِخَطِّهِ
1 / 19
وَلَا ريب أَن بعض عُلَمَاء النّظر بالغوا فِي النَّفْي وَالرَّدّ والتحريف والتنزيه بزعمهم حَتَّى وَقَعُوا فِي بِدعَة أَو نعت الْبَارِي بنعوت الْمَعْدُوم
كَمَا أَن جمَاعَة من عُلَمَاء الْأَثر بالغوا فِي الاثبات وَقبُول الضَّعِيف وَالْمُنكر ولهجوا بِالسنةِ والاتباع فَحصل الشغب وَوَقعت الْبغضَاء وبدع هَذَا هَذَا وَكفر هَذَا هَذَا
ونعوذ بِاللَّه من الْهوى والمراء فِي الدّين وَأَن نكفر مُسلما موحدا بِلَازِم قَوْله وَهُوَ يفر من ذَلِك اللَّازِم وينزه ويعظم الرب انْتهى قَول الذَّهَبِيّ
1 / 20
أَقسَام الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَسبب تأليف الْكتاب
وَجُمْهُور النقاد وأئمة أهل الاسناد كَلَامهم منقسم فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل إِلَى قوي ومتوسط وَكَلَام فِيهِ تسهيل وَفِي عصرنا هَذَا الَّذِي قل فِيهِ من يدْرِي هَذَا الْفَنّ أَو يرويهِ أَو يُحَقّق تراجم من رأى من أهل مصره فضلا عَمَّن لم يره أَو مَاتَ قبل عصره قد نطق فِيهِ من لَا خبْرَة لَهُ بتراجم الرِّجَال وَلَا عِبْرَة لَهُ فِيمَا تقلده من سوء الْمقَال وَلَا فكرة لَهُ فِيمَا تطرق بِهِ إِلَى تَكْفِير خلق من الاعلام بِأَن قَالَ من سمى ابْن تَيْمِية شيخ الاسلام كَانَ كَافِرًا لَا تصح الصَّلَاة وَرَاءه وَهَذَا القَوْل الشنيع الَّذِي نرجو من الله الْعَظِيم أَن يعجل لقائله جزاه قد ابان قدر قَائِله فِي الْفَهم وأفصح عَن مبلغه من الْعلم وكشف عَن مَحَله من الْهوى وَوصف كَيفَ اتِّبَاعه لسبيل الْهدى وَلَا يرد بِأَكْثَرَ من رِوَايَته عَنهُ ونسبته إِلَيْهِ فَكَلَام الانسان عنوان عقله يدل عَلَيْهِ أما علم هَذَا الْقَائِل أَن لَفْظَة شيخ الاسلام تحْتَمل وُجُوهًا من مَعَاني الْكَلَام
1 / 21
معنى شيخ الاسلام
مِنْهَا أَنه شيخ فِي الاسلام قد شَاب وَانْفَرَدَ بذلك عَمَّن مضى من الأتراب وَحصل على الْوَعْد المبشر بالسلامة أَنه من شَاب شيبَة فِي الاسلام فَهِيَ لَهُ نور يَوْم الْقِيَامَة
وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي عرف الْعَوام أَنه الْعدة ومفزعهم إِلَيْهِ فِي كل شدَّة
وَمِنْهَا أَنه شيخ الاسلام بسلوكه طَريقَة أَهله قد سلم من شَرّ الشَّبَاب وجهله فَهُوَ على أَلْسِنَة فِي فَرْضه ونفله
وَمِنْهَا شيخ الاسلام بِالنِّسْبَةِ إِلَى دَرَجَة الْولَايَة وتبرك النَّاس بحياته فوجوده فيهم الْغَايَة
وَمِنْهَا أَن مَعْنَاهُ الْمَعْرُوف عِنْد الجهابذة النقاد الْمَعْلُوم عِنْد أَئِمَّة الاسناد أَن مَشَايِخ الاسلام وَالْأَئِمَّة الاعلام هم المتبعون لكتاب الله ﷿ المقتفون لسنة النَّبِي ﷺ الَّذين تقدمُوا بِمَعْرِفَة أَحْكَام الْقُرْآن ووجوه قراآته وَأَسْبَاب نُزُوله وناسخه ومنسوخه وَالْأَخْذ بِالْآيَاتِ المحكمات والايمان بالمتشابهات قد أحكموا من لُغَة الْعَرَب مَا أعانهم على علم مَا تقدم وَعَلمُوا السّنة نقلا وإسنادا وَعَملا بِمَا يجب الْعَمَل بِهِ اعْتِمَادًا وإيمانا بِمَا يلْزم من ذَلِك اعتقادا واستنباطا لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوع من الْكتاب وَالسّنة قَائِمين بِمَا فرض الله عَلَيْهِم مُتَمَسِّكِينَ بِمَا سَاقه الله من ذَلِك إِلَيْهِم متواضعين لله الْعَظِيم الشان خَائِفين من عَثْرَة اللِّسَان لَا يدعونَ الْعِصْمَة وَلَا يفرحون بالتبجيل
1 / 22