قال القاضي البيضاوي في تفسير قوله عز من قائل: ﴿ما كان لنبي﴾ الخ دليل على أن الأنبياء يجتهدون وأنه قد يكون خطأ. وبالجملة فكان للصحابة في الأمور العقلية والأحكام الاجتهادية مجال اختلاف ومساغ خلاف وكان الوحي في بعض الأوقات يوافق رأي بعض الأصحاب كما نزل في أسارى بدر على موافقة رأي أمير المؤمنين عمر ﵁ ولا يقدح ذلك في النبي ﷺ إذ منشأه تهيأ قلبه للوحي وقلة التفاته إلى الأمور العقلية. قال القاضي البيضاوي: روي أن النبي ﷺ أتى يوم بدر بسبعين اسيرا منهم العباس وعقيل بن أبي طالب فاستشار فيهم فقال أبو بكر ﵁: قومك وأهلك استبقهم لعل الله تعالى يتوب عليهم وخذ منهم فدية يتقوى بها أصحابك، وقال عمر ﵁: اضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر وإن الله تعالى أغناك عن الفداء، مكني من فلان ومكن عليا وحمزة من إخوانهما فلنضرب أعناقهم، فلم يهو ذلك رسول الله ﷺ وقال: "إن الله تعالى ليلين قلوب عباد حتى تكون ألين من اللبن وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا ابا بكر مثل إبراهيم قال: ﴿فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفورٌ رحيمٌ﴾ (١) ومثلك يا عمر مثل نوح قال: ﴿لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا﴾ " (٢) فخير أصحابه فأخذوا الفدية، فترلت يعني آية ﴿ما كان لنبي﴾ فدخل عمر ﵁ على رسول الله ﷺ فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال: يا رسول الله أخبرني فإن أجد بكاء بكيت وإلا تباكيت فقال: "أبكي على أصحابي في أخذهم الفداء ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة" لشجرة قريبة منه.
وقال القاضي أيضا روي أنه ﷺ قال: "لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ" وذلك لأنه أشار بالإثخان أيضا.
_________
(١) إبراهيم: ٣٦
(٢) نوح: ٢٦
1 / 6