أقول: علماء ما وراء النهر جعلوا مجموع تسليم الخلافة وعدم الاعتراض دليلا على حقية خلافتهم، فلا يرد النقض بتأخير النبي ﷺ حرب كفار قريش وإملاء الله لفرعون؛ فإن رسول الله ﷺ ذمهم واعترضهم بالرد وأظهر شناعة فعلهم وما سلم لهم ما هم فيه قط. فأين هذا من ذاك؟ ولما لم تجد الشيعة مساغا لإنكار بيعة علي للصديق ﵄ لأنه من الخبر المتواتر وإنكاره يصادم بداهة العقل التجأوا إلى القول بالإكراه والتقية ولم يجدوا مخلصا أحسن منه؛ وهو باطل. والصحابة ﵃ بعد وفاة النبي ﷺ قبل دفنه إنما اشتغلوا بنصب الإمام لأنهم رأوه واجبا بعد انقراض زمان النبوة بل أهم الواجبات، وذلك لأنه ﷺ أمر بإقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش وجهاد الكفار وحفظ بيضة الإسلام وذلك لا يتأتى إلا بنصب الإمام، وما لا يتأتى الواجب المطلق إلا به وكان مقدورا فهو واجب. ولهذا قال الصديق ﵁: يا أيها الناس من كان يعبد محمدا ﷺ فإن محمدا ﷺ قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله تعالى حي لا يموت، لا بد لهذا الأمر ممن يقوم به فانظروا وهاتوا آراءكم. فقالوا: صدقت فبايعه عمر ثم بايعه المهاجرون والأنصار، وصعد أبو بكر المنبر ونظر في وجوه القوم فلم ير الزبير فدعا به فجاء فقال: ابن عمة رسول الله ﷺ وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله ﷺ فقام فبايعه ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليا ﵁ فدعا به فجاء فقال: ابن عم رسول الله ﷺ وختنه على ابنته أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله ﷺ فبايعه. وأظهر علي ﵁ العذر في تأخيره البيعة فقال: ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة مع أن لنا فيها حقا وأنا نرى أبا بكر أحق الناس بالخلافة وإنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه وكبره ولقد أمره ﷺ بالصلاة بالناس وهو حي. فثبتت خلافته ﵁ بالإجماع واندفع احتمال الإكراه والتقية. قال الإمام الشافعي ﵀: "أجمع الناس على خلافته وذلك لأنه اضطر الناس بعد رسول الله ﷺ فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر ﵁ فولوه رقابهم".
1 / 13