وأما قوله: يقاتل على الملك والدنيا. فكيف - ويله - يقاتل على الملك والدنيا، وطلب العز فيها والكبرياء، من كان لباسه فيها مع وجوده لملكها الشعر والوبر والعبآء والصوف، وشعاره فيها والناس شباع آمنون الجوع والظمأ والخوف، وما الملك ممن يظل نهاره وليله خاشعا وباكيا، ويسيح على قدميه في الأرض حافيا، يدعو من هلك من أهلها إلى النجاة، وينادي من مات عن الهدى إلى الحياة، ومن هو أعز ما يكون مفارقا لأحوال ملوك الدنيا وأغنيآئها، ومن لا يرى متكبرا عن مساكين العامة وفقرآئها، يقف عليها، ويرى واقفا فيها، ويأكل معها إذا أكلت، ويجيبها إذا سألت، ويعود مرضاها إذا مرضت، ويشهد موتاها إذا ماتت.
فأين هذا كله، وفرع هذا وأصله، من أحوال الملوك التي تتكبر عن آبائها، ولا تنظر بخير إلى أبنائها، ما أشبه بعض ابن المقفع ببعض، وما أحسب له في المكابرة نظيرا من أهل الأرض .
وأما قوله قول الزور والباطل: وأخرج - زعم - سلطان الجاهل، الذي يستر عليك الجهالة، ويأمرك أن لا تبحث ولا تطلب، ويأمرك بالايمان بما لا تعرف، والتصديق بما لا تعقل، فإنك - زعم - لو أتيت السوق بدراهمك تشتري بعض السلع، فأتاك الرجل من أصحاب السلع، ودعاك إلى ما عنده، وحلف لك أنه ليس في السوق شيء أفضل مما دعاك إليه لكرهت أن تصدقه، وخفت الغبن والخديعة، ورأيت ذلك ضعفا، وعجزا منك، حتى تختار - زعم - على بصرك، وتستعين بمن رجوت عنده معونة وبصرا.
Page 159