فصل
قصدي في هذا الكتاب أن احذف من النحو ما يستغني النحويُّ عنه، وأنبه على ما اجمعوا على الخطأ فيه.
فمن ذلك ادعاؤهم أن النصب والخفض والجزم لا يكون إلا بعامل لفظي، وأن الرفع منها يكون بعامل لفظي وبعامل معنوي، وعبروا عن ذلك بعبارات توهم في قولنا (ضرب زيدٌ عمرًا) أن الرفع الذي في زيد والنصب الذي في عمرو إنما أحدثه ضرب. ألا ترى سيبويه ﵀ قال في صدر كتابه: وإنما ذكرت ثمانية مجارٍ، لا فرق بين ما يدخله ضرب من هذه الأربعة لما يحدثه فيه العامل، وليس شيء منها إلا وهو يزول عنه، وبين ما يبنى عليه الحرف بناء لا يزول عنه لغير شيء احدث ذلك فيه؟ فظاهر هذا أن العامل أحدث الإعراب، وذلك بيَّن الفساد.
وقد صرح بخلاف ذلك أبو الفتح بن جنى وغيره قال أبو الفتح في خصائصه، بعد كلام في العوامل اللفظية والعوامل المعنوية: وإما في الحقيقة ومحصول الحديث فالعمل من النصب والرفع والجر والجزْم، إنما هو للمتكلم نفسه لا لشيء غيره فأكد المتكلم بنفسه ليرفع الاحتمال، ثم زاد تأكيدًا بقوله: لا لشيء غيره. وهذا قول المعتزلة. وأما مذهب أهل الحق فإن هذه الأصوات إنما هي من فعل الله تعالى، وإنما تنسب إلى
1 / 69