قيل: العلة الموجبة لإعراب الاسم هي موجودة في الفعل، وذلك: أنا لو قلنا: (ضرب زيد عمرو. وزيدًا عمرًا) لم يتميز لنا الفاعل من المفعول، كذلك إذا قلنا: (لا يضربُْ زيد عمرًا) لولا الرفع والجزم، ما عرف النفي من النهي. وكذلك إذا قنا (لا تأكل السمك ولا تشربُِْ اللبن) لولا النصب والجزم والرفع لما عرف النهي عنهما مفترقين ومجتمعين، من النهي عن الجمع، ومن النهي عن الأول وأن الفاعل من شأنه أن يشرب اللبن. وكما أن للأسماء أحوالًا مختلفة، فكذلك للأفعال أحوال مختلفة: تكون منفية، وموجبة، ومنهيًَّا عنها، ومأمورًا بهاْ وشروطًا، ومشروطة، ومخبَّرًا بها، ومستفهمًا عنها، فحاجتها إلى الإعراب كحاجة الأسماء. وأيضًا فإن الشيء لا يقاس على الشيء إلا إذا كان حكمه مجهولًا، والشيء المقيس عليه معلومُ الحكم، وكانت العلة الموجبة للحكم في الأصل موجودة في الفرع.
والعرب أمة حكيمة، فكيف تشبه شيء بشيء، وتحكم عليه بحكمه، وعلة حكم الأصل غير موجودة في الفرع. وإذا فعل واحد من النحويين ذلك جُهِّل، ولم يقبل قوله، فلمَ ينسبون إلى العرب ما يُجهَّل به بعضهم بعضًا. وذلك: أنهم لا يقسون
الشيء على الشيء، ويحكمون عليه بحكمه، إلا إذا كانت علة حكم الأصل موجودة في الفرع! وكذلك فعلوا في تشبيه الاسم بالفعل في العمل، وتشبيههم إنِّ وأخواتها بالفعال المتعدية في العمل، وأما تشبيه الأسماء غير المنصرفة بالأفعال فأشبهُ قليلًا، وذلك أنهم يقولون ان الأسماء غير المنصرفة تشيه الأفعال في أنها فروع - كما أن الأفعال فروع بعد الأسماء - فإذا كان في الاسم علتان، أو واحدة تقوم مقام علتين، فإن كل واحدة من العلتين تجعله فرعًا، مُنِع ما منع الفعل، وهو الخفض والتنوين. والعلل المانعة من الصرف: التعريف، والعجمة، والصفة، والتأنيث، والتركيب المزجي، والعدل، والجمع الذي لا نظير له، ويوزن الفعل المختص به أو الغالب فيه، وآلاف والنون الزائدتان المشبهتان ألفَ التأنيث
1 / 131