قلت: (ما تأتينا فتحدثنا) كان لها معنيان: أحدهما (ما تأتينا فكيف تحدثنا) أي أن الحديث لا يكون إلا مع الإتيان، وإذا لم يكن الحديث، كما يقال: (ما تدرس فتحفظ) أي أن الحفظ إنما سببه الدرس، فلا حفظ. والوجه الآخر (ما تأتينا محدثًا) أي انك تأتي ولا تحدِّث، وهم يقدرون الوجهين: (ما يكون منك إتيان فحديث) وهذا اللفظ لا يعطى معنى من هذين المعنيين.
وهذه المضمرات التي لا يجوز إظهارها لا تخلو من أن تكون معدومة في اللفظ، موجودة معانيها في نفس القائل، أو تكون معدومة النفس، كما أن الألفاظ الدالة عليها معدومة في اللفظ. فإن كانت لا وجود لها في النفس ولا للألفاظ الدالة عليها وجودٌ في القول، فما الذي ينصب إذن؟ وما الذي يُضمر؟ ونسبة العمل إلى معدوم على الإطلاق محال. فإن قيل أن معاني هذه الألفاظ المحذوفة موجودة في نفس
القائل، وإن الكلام بها يتمّ، وإنها جزء من الكلام القائم بالنفس، المدلول عليها بالألفاظ، إلا إنها حذفت الألفاظ الدالة عليها إيجازًا، كما حذفت مما يجوز إظهاره إيجازًا لزم أن يكون الكلام ناقصًا، وأن لا يتمّ إلا بها، لأنها جزء منه، وزدنا في كلام القائلين ما لم يلفظوا به، ولا دلنا عليه دليل إلا دعاء أن كل منصوب فلا بد له من ناصب لفظي. وقد فُرغَ من إبطال هذا الظن بيقين، وادعاء الزيادة في كلام المتكلمين من غير دليل يدل عليها خطأٌ بيِّنٌ، لكنه لا يتعلق بذلك عقاب، وأما طرد ذلك في كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وادعاء زيادة معان فيه من غير حجة ولا دليل إلا القول بان كل ما ينصب إنما ينصب بناصب، والناصب لا يكون إلا لفظًا يدل على معنى أما منطوقًا به، وإما محذوفًا مرادًا، ومعناه قائم بالنفس، فالقول بذلك حرام على من تبين له ذلك، وقد قال رسول الله ﷺ: من قال في القرآن برأيه فأصاب
1 / 73