بك إلى أصلك الذي أصلت : فاعلم أن من الدواء نفعا عاجلا ، ومنه سم قاتل ، ومهما قصر عن الحتف بقي له دواء ومداخل ، وكذلك الكلام في القدر إذا وقف به على حده ولم يتعد به إلى ما لا يجوز ، فهو دواء غير داء . وإذا جووز ( 1 ) به الكفاية ، وابتغي فيه التطلع من الغاية ، فهو داء لا دواء . وسألقي إليك إن شاء الله في ذلك مقدارا ( 2 ) يسعني ويسعك وينفعني وينفعك إن وفقت ، وبقدر إليك إن جمحت . فمهما شككت فيه أو [ 107 و ] اشتبه عليك منه ، فاعلم أن الله تعالى خلق جميع خلقه على ما سبق في علمه المخطوط في أم الكتاب الذي لا تبديل له ، فمضى عليه خلقهم وجرت عليه سائر أمورهم دقيقتها وجليلها ، وخيرها وشرها ، وعامها وخاصها ، وباطنها وظاهرها ، ومكروها ومحبوبها ، لا يزيغ أحد عما سبق في مقاديره ونفذ من مشيئته ، وقضي في أم الكتاب عنده ، ولا يعيدوه في لفظة ولا لحظة ولا أصغر من ذلك ولا أكبر في دنيا ولا آخرة ، بل جارون على ما علم وكتب وقضى وقدر وشاء وأراد قبل أن يخلق السماوات والأرض ، إن ذلك في كتاب ، إن ذلك على الله يسير . ومن قضائه في أم الكتاب أن كتب على نفسه الرحمة ، ومن الرحمة العدل والفضل ، ومن العدل الفضل أنه لا يظلم الناس شيئا ، ولا يكلف فوق طاقته أحدا ، وأن له الحجة البالغة ، وأن له الحمد في الأولى والآخرة ، ولكن الناس أنفسهم يظلمون فمن زعم أنه يخرج من قدر الله في شيء من أمره كائنا ما كان : عمل أو أجل ، أو سراء أو ضراء ، فقد نقص توحيده وأشرك بربه . ومن ادعى على الله ما لا برهان له به ، فزعم أن الضرورة لزمته من قبل ربه ، وأنه معذور بذنبه ، مكلف فوق وسعه ، غير محجوج في معصية الله ، فقد كفر وجحد عدله وفضله ، ورد كتابه وكذب رسله . وكلا الفريقين قد جاءته ( 3 ) الفتنة المتخوفة التي أنذرها سلفنا خلفهم : أن المرء يسلب إيمانه وهو لا يشعر ، ويصبح مؤمنا ويمسي كافرا ، ونعوذ بالله من الزيغ بعد الهدى
Page 400