Rabb Thawra
رب الثورة: أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة
Genres
كما أن تصورات المصريين القدماء عن هذا العالم، تعطي انطباعا واضحا عن أسلوب تفكيرهم، وعن أخلاقياتهم ونظمهم الاجتماعية، في تلك العصور السحيقة، بل إنه لولا اهتمام المصريين القدماء بعالمهم الآخر، ما وصل إلينا شيء البتة عن تاريخهم؛ فهم لم يدونوا ما دونوا، ولم يهتموا بتسجيل ما سجلوا؛ إلا بسبب - ومن أجل - أملهم العظيم في الخلود.
ولعل الإصرار على رؤية العقلية المصرية، من خلال المنظار الفلسفي لطبيعة المشكلة، يعود في الأساس إلى طبيعة كل من الفلسفة والدين، وغني عن الذكر أن العلاقة بينهما كانت مسألة المسائل، التي شغلت تفكير كثير من الفلاسفة - أو على الأصح أغلبهم - ويعتبر أشيعهم ذكرا في هذا الميدان، الفيلسوف الألماني «هيجل
Hegel »، وهو من هدفت فلسفته في معظمها «إلى بيان أن الدين ينتهي حتما إلى الفلسفة، وأن الفلسفة تؤدي بالضرورة إلى الدين»،
1
بل والأهم أنه اعتبر الدين فيصلا بين الإنسان والحيوان، ومميزا أول للإنسان عن الجنس الحيواني؛ «لأن الدين قائم على الشعور ، الشعور بالخلود، الشعور بالحرية، والشعور لا يوجد إلا عند الإنسان.»
2
وبذلك كانت فكرة الخلود وظهورها عند المصري القديم - إذا طالعناها بالمنظار الهيجلي - هي بداية الإنسانية لإنسانيتها على الأرض، وبداية التفلسف أيضا، كما أنه إذا كانت «الفلسفة تظهر حينما توجد الحياة السياسية»
3 - في رأيه - فإن الفلسفة بهذا المعنى تكون أيضا قد ظهرت مع بداية أول حكومة منظمة في تاريخ العالم، أي: مع الأسرة الأولى في الدولة الفرعونية القديمة.
أما اعتبار المشكلة مشكلة تاريخية أيضا، فهذا أمر لا يحتاج إلى تفصيل، باعتبار خضوع المسألة بكليتها لظروف تاريخية محددة، أو باعتبار أن عقيدة الخلود - كأي عقيدة أخرى - قد مرت بمراحل تطورية، عبر فترات زمنية، تأثر فيها تطورها بعدة عوامل هي في حقيقتها أحداث تاريخية، لا يمكن فصلها عنها بأي من الأحوال.
وهنا أيضا تظل الطبيعة الفلسفية قائمة؛ لأن العلاقة بين التاريخ والفلسفة قائمة ومتوثقة، ولقد هدفت فلسفات كثير من الفلاسفة مثل «كولنجوود» إلى تأكيد «أن المشكلات الفلسفية التي تواجه الفيلسوف، في حاجة إلى الفهم التاريخي، كما أن أكثر هذه المشكلات تاريخية في صميمها.»
Unknown page