Rabb Thawra
رب الثورة: أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة
Genres
30
وبذلك أصبح معيار الفضيلة ومقياسه حقا وصدقا وعدالة، لكن مع الجماهير، وأصبحت معاملة الدهماء هي المقياس والقسطاس السليم للحصول على الخلود من عدمه، ولعل هذا بالذات أخطر الأطوار التي دخلتها عقيدة الخلود الفرعونية إبان تطورها، وأصبح الجميع يقفون على قدم المساواة أمام المحكمة الإلهية؛ ليثبت كل منهم مدى أحقيته في الخلود، ولم يبق فلسفيا سوى مشكلة: كيف سيتم هذا الحساب؟ وهنا يظهر أن الفقهاء قد عادوا إلى الأسطورة الأوزيرية يستوحونها إجابة، وكانت الإجابة السهلة - فيما نرى - كما يوحي منطق الأحداث والمدونات: كما حوكم أوزير من بعد موته أمام المحكمة الإلهية، ألم يقم أوزير من بين الموتى؟ أولم تحي الآلهة عظامه وهي رميم؟ إذا فلن تعي الآلهة بإعادة رميم الموتى حيا مرة أخرى، ولأول مرة يؤدي هذا المنطق في تاريخ البشرية إلى ظهور الاعتقاد في البعث الجسدي لكل البشر، عظيمهم ووضيعهم، من بعد الموت للحساب، وهنا سجلت المتون خطابها للميت قائلة:
إن الإلهة نوت سوف «تعطيك رأسك، وتجمع
لك أعضاءك، وتضع لك قلبك في جسدك.»
31
وحينها سوف تبدأ للبا مهمة جديدة، فستعود وتتلبس بالجسد مرة أخرى،
32
ففي يوم البعث العظيم «يجب أن تتحد الروح مع الجسد من جديد، وأن تجد باب القبر مفتوحا.»
33
وإن تصور اتحاد الروح مع الجسد، إنما يعني تصور عودة البا من السماء إلى الميت في قبره على الأرض؛ لذلك تتابع النصوص موحية بالخطوات التطورية المتلاحقة؛ لتؤكد للميت أن الآلهة سوف تقف «من حولك وتناديك: قم، قف، فتصحو»!
Unknown page