أن الأرض تتقشر، وتتشقق، وتتقلص وتموج، ومن الأعماق تبرز على مهل عمد وأسطح وقباب، ثم مضى يتجلى وجه مدينة غامرة ... شوارعها محجوبة بالأتربة، مساكنها متهدمة، وما بها من قائم سوى المعابد وبعض التماثيل، وتحلقها قوم لا حصر لهم ينظرون ويتحاورون: مدينة أثرية جديدة. - وثائق لتاريخ جديد. - ألا يوجد أثر لإنسان؟ - المقابر لم تكتشف بعد.
ولبثت ما لبثت حتى انتبهت، فوجدت نفسي وحيدا، ورحت أخترق شارعها الرئيسي حتى أدركني الليل وأظلتني النجوم، ومزقت السكون صرخة ... صرخة أنثى فيما بدا لي، وثمة طيف هرع نحوي حتى جثا بين يدي، وثمة صوت هتف: أنقذني!
سألتها: وماذا يتهددك؟ - سيف الجلاد. - من أنت؟ - أنا بريئة.
فسألتها بشدة: ما تهمتك؟ - التهمة التي لا يبرأ منها أحد، حتى أنت!
فقبضت على يدها وأنهضتها، ثم انطلقنا معا كشهابين في ظلمة الليل.
الحلم رقم 13
رأيت فيما يرى النائم.
امرأة في الخمسين تذهب وتجيء بوجه جففته الوحدة، قلت إني أعرف هذا الوجه ولكن من، ومتى، وأين؟! وحيرتني سحب النسيان ... غير أن المرأة لم تهجع، ولكنها ذهبت محمومة وهي ترمقني بعين مفكرة ثم رجعت بشاب رث الهيئة، وهي تربت خده بحنان، وانقض عليها الشاب فاعتصرها بين ذراعيه مليا حتى تأففت ... ورماها بنظرة نكراء ثم دفعها فتهاوت على الأرض فانهال عليها ضربا ثم ذهب ... جعلت تتأوه وتبكي، ثم قامت في إعياء شديد وقد فقدت ذراعها اليسرى، قلت لها: ذراعك!
فأعرضت عني ومضت، ثم رجعت وهي تربت خد شاب شبه عار، وجذبها إليه مثل ذئب جائع واعتصرها بين ذراعيه ... وانفصل عنها متقززا وصب عليها قبضتيه وقدميه حتى سقطت على وجهها، وغادرها. فاستسلمت للنحيب ثم نهضت طاعنة في السن، وقد فقدت ذراعها اليمنى.
وقلت لها: ذراعك!
Unknown page