193

1

أحب أولادي وأكرههم

أحبهم

تدعوني «الهلال» إلى أن أنشئ في هذا الموضوع مقالا، كأن لي في أمر الولد شأنا غير شأن الآباء جميعا، إذ شأني فيه شأن الناس جميعا، اللهم إلا أن تكون قد تفضلت فنصبتني نائبا عن كل والد في الأرض، من يوم كان الإنسان إلى يوم يخلو وجه الأرض من هذا الإنسان!

إذا كان الأمر هكذا، فإنني باسم من تشرفت بالنيابة عنهم أقول: إنني أحب أولادي أشد الحب، وأعطف عليهم أبلغ العطف، وأجد لهم من الرقة والرحمة والحنان ما لا أجد لأحد في العالمين؛ أحبهم لأنني أحب نفسي وهم بعض نفسي، بل إنهم عندي لخير ما في نفسي، هم عصارة قلبي وحشاشة نفسي وكبدي، وأجمل ما يترقرق في صدري من منى وآمال، وأبهج ما يطوف برأسي من حلم وخيال، وقد تجسد كل أولئك أناسي تغدو على الأرض وتروح!

وإنني لأرى أولادي إذا حضروا، وأذكرهم إذا غابوا فأجد من اللذة والسعادة والمتاع، ما لا تعد له كل ما في هذه الدنيا من لذة وسعادة ومتاع!

أحبهم لأنني أحب نفسي وأتمنى لو يكتب لها الخلود في هذه الدنيا، وإذا كان الموت حقيقة لا مناص منها أبدا، فأولادي هم واصلو حياتي، ومطيلو أجلي ومادو ذكري والمثبتون على الزمان لاسمي.

أحبهم لأنهم أول من يعينني في ضعفي، ويسرع إلى الاستجابة لي في شدتي، ويرفه عني في شيخوختي، ويواسيني في علتي، ويتلقى في العزاء إذا هم القضاء بين الزفرة والبكاء.

أحبهم لأن اسمي من يوم أموت لا يرد على خاطر أحدهم، أو يجري بسمعه على أي لسان، إلا بادر فسأل الله لي الرحمة وإسكاني أعلى الجنان.

وولد لي ولد وكان عندنا بواب أربت سنه على المائة، فلما لقينى وقد انتهى إليه الخبر كانت دعوته لي: «الله يبقيه حتى يحل عقدة كفنك!» ووالله ما دعي لي بدعوة كانت أبرد على كبدي، ولا أحلى موقعا في نفسي من هذه الدعوة، ويا ليتها قد أجيبت ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

Unknown page