Qutb Surur
قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور
وقال العبر بن حريث: سقاني أنس (رض) طلاءً من زقٍّ مُقير. وعن الشعبي قال: شهد عندي عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه شرب نبيذًا شديدًا في جرٍّ أخضر عند البدرية من أصحاب محمد (ص) وعن عوف بن أبي جحيفة قال: زوجني أبي وأعرس عليَّ وأولم فأُهدي لي عشرون دنًا من طلاء قد طبخ على النصف فسقى الناس من ذلك الطلاء. وروي عن أبي حازم الثوري قال: بعثني الربيع ابن خثيم ابتاع له طلاءً فأتيته به وفيه بعض الحلاوة فقال: ردَّة واشترِ لي ما هو أشد منه.
ذكر ما جاء في تحريم الخمر وشدَّة النهي عنها
قال الله ﷿: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق. وقال: وذروا ظاهر الإثم وباطنه، إن الذين يكسون الإثم سيُجْزون بما كانوا يفترون. ثم قال في موضع آخر: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبير ومنافع. فدخلت الخمر في اباب ما حرَّمه القرآن، لأنه أخبر بتحريم الإثم وجعله في الخمر كبيرًا.
فأما شدة النهي فقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون. فقالوا انتهينا، فصَّح في العقل أنَّ كلَّ ما خُمِّر من عنبٍ وزبيب وتمرٍ وعسلٍ وحنطة وغير ذلك، فاذهب العقل، وأوقع العداوة والبغضاء، وصدَّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وثبتت فيه هذه المعاني فهو خمرٌ محرَّمٌ.
ويروى عن أنس بن مالك أنه قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة وأُبيَّ لن كعب شرابًا من تمر فضيخ، فأتاهم آتٍ فقال: إن الخمر قد حُرِّمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها، فقمت إلى مهراسٍ لنا فضربته بأسفله حتى تكسر. وروي عن أبي مالِك الأشعري أن رسول الله (ص) قال: ليشربن ناسٌ من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، ويُضرب على رؤوسهم بالمعازف، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم قردةً وخنازير. رواه سحنون قال: لأنهم يسمونعها نبيذًا واستحلوها فأخبر الله بذلك نبيَّه أنه سيكون في أُمته فحذَّرهم منه.
ولم يروِ من قال بإحلال النبيذ الشديد عن رسول الله (ص) حديثًا واحدًا مكشوف المعنى مشروحًا يُثبت مثله أهل المعرفة بالحديث. وروا في ذلك أحاديث لا تقوم بها حجة. ومن الناس من يشرب المسكر ويعلم أنه حرام فإذا عوقبوا على ذلك قالوا: نشربه، ونعلم أنه ذنب، ونستغفر الله منه، أحب إلينا من أن نشربه مستحلين له غير مستغفرين منه ويحتجون بقول المأمون:
سأشربها وأزعَمُها حرامًا ... وأرجو عفو ربٍّ ذي امتنانا
ويشربها ويزعمها حلالًا ... وتلك على الشقيِّ خطيئتان
وهذه جرأة على الله وطمع في المغفرة، وأنى لهم المغفرة وهم مصرون، لا ينصرم عنهم يوم إلا عقدوا النية على شربه في الغد وبعد الغد وإنما يغفر الله بالاستغفار للمُقلعين.
وماذا يقولون في رجل زنى وهو لا يعلم أن الله حرم الزنى وآخر زنى وهو يعلم أن الزنى من الكبائر التي تسخط الله وتوجب النار، أيهما أقرب إلى السلامة وأولى من الله بالعفو؟ الذي لا يعلم، لا حدَّ عليه ولا رجم، وعلى الآخر حدّ البكر أو الرجم إن كان مُحصنًا.
وروي عن أبي هرريرة أنه قال: صنعت لرسول الله (ص) نبيذًا في الدُّباء وكان صاعًا فجئت به عند إفطاره، فقال: أدنِهِ، فأدنيته منه فإذا هو ينشُّ، فقال: اضرب به الحائط فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر. وقال ﷺ: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن. وقال الله تعالى فاجتنبوا الرجسَ من الأوثان واجتنبوا قول الزور، فجعل الأوثان رجسًا وجعل الخمر رجسًا.
1 / 113