Qutb Surur
قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور
كأن دنانيرًا على قسماتهم ... إذا الموت في الأبطال كان تحاسيا
وقال عبد الصَّمد المعذَّل يهجو المبرِّد:
يا رب إن كنت ترى المُبرِّدا
إن قاس في النحو قياسًا أفسدا
ويكسر الشعر إذا ما أنشدا
وإن تحسَّةى الكأس يومًا عربدا
فاقدُدْ له حيَّة قُفٍّ أسودا
أنيابه عوج كأمثال المدى
لو نكز الفيل العظيم الأربدا
بنابه جرَّعه كأس الرَّدى
قال: فقلت له: أتهجوني؟ فقال: ما هجوتك، إنما قلت: إن قاس في النحو قياسًا أفسدا. وأنت لا تفسد القياس. وقلتُ: يكسر الشعر، وأنت لا تكسره، وقلت: وإن تحسَّى الكأس يومًا عربدا، وأنت لا تعربد، فما الذي يلزمك من هجائي؟ قال المبرِّد: فعزمت أن أُعربد عليه، فاجتمعنا يومًا، فقام ليبول، فقلت: إلى أين؟ قال: أبول، فقلت منتهرًا: وكأنك فضلت البول علينا، فقبَّل رأسي وقال: أنا أعربد منذ ثلاثين سنة ما أحسنت قطّ مثل هذا.
ويروى أن سبب تحريم الخمر في أوَّل الإسلام كان من حمزة بن عبد المطلب وعقره بعيري عليّ (رض) وقد تقدمت هذه الحكاية مشروحة في صدر هذا الكتاب.
وكان النعمان بن المنذر شديد العربدة قتالًا للندامى، وكان له نديم يقال له عمرو بن عمار الطائي، من أعلم الناس وآدبهم، فنهاه أبو قردودة عن منادمته فلم ينته حتى عربد عليه ليلةً فقتله، فقال يرثيه:
إني نهيتُ ابن عمار وقلت له ... لا تأمنن أحمر العينين والشَّعره
إن الملوك متى تنزل بساحتهم ... تطر بثوبك من نيرانهم شرره
يا جفنة بإزاء الحوض قد هدموا ... ومنطقًا مثل وشي اليمنة الحبِرة
وقد تقدم خبر جذيمة الوضاح وعربدته على نديميه، ملك وعقيل، حتى قتلهما بعد أن نادماه أربعين سنة ما أعادا عليه فيها حديثًا، وقد تقدم فيما مضى في بدءِ الكتاب.
وقالوا: كان بالبصرة رجل شديد العربدة، وكان له إخوان ظراف صابرون عليه، وهو لا يدع العربدة على حالٍ، فقالوا يومًا: تعالوا نحترز منه ما استطعنا، ولا نجعل له طريقًا إلى العربدة، قال: فأخذوا في تجنبه ومسارعته فساعدوه على كل ما أحب فضاق صدرُه، ولم يجد ما يتوسل به، إذ سمع صائحًا في الدار يقول: يا أبا روح، فنخر وقال: أبو [روح] كنية فرج، وفرج إذا صُحِّف فهو فَرْخ، وفرخ هو ولد زنا، وأنا والله المراد بذلك، ثم أخذ في أخلاقه من العربدة وكسر الماعون وضرب القوم، فعلموا أنه لا يملك الصبر عن أخلاقه فانقطعوا عن عشرته.
وكان للنعمان بن المنذر نديم يقال له سعد، فقال له بعض الندماء يا سعد لقد خضمك الهُمام بشرابه حتى لقد كدت تنقد شحمًا وتقطر دمًا، قال: ذاك لأني آخذ ولا أُعطي، ولا أُلام ولا أُخطي، وأنا الدهر جذلٌ مسرور، وفرحٌ محبور، فسمعه النعمان من حيث لا يعلم، فجرَّد السيف ودخل عليه، فقال: أنت القائلك أُخطي ولا أُلام، فخبطه حتى مات.
وكان المتوكل قد دعا أبا يوسف يعقوب بن السكيت إلى منادمته، فشاور بعض إخوانه من العلماء، فكل حذره وأشار عليه ببعد السلطان في تلك الحال، فغلبه هواه، ونادمه أيامًا، فسكر المتوكل يومًا ونظر إلى المنتصر والمعتز ولديه قائمين على رأسه، فالتفت إلى ابن السكيت فقال: أيهما أفضل، هذان أم الحسين والحسن ابنا فاطمة، فقال: بل قنبر عبدهما أفضل من هذين ومن أمهما، فقال: خذوا برجل ابن الفاعلة، فجُرَّ برجله من بين يديه وكان آخر العهد به.
وأنشد لأبي نواس:
وإذا رام نديمي عربدة ... فاقرعن بالكأس من كبده
كرِّر الخمر عليه بحْتةً ... كي تقيم الخمر منه أوده
ثم وسده، إذا ما غلبت ... سورة الكأس عليه، عضُده
خصلتا سوءٍ تشينان الفتى ... حيثما كان، الخنا والعربدة
وشياطين من الأُنس هُمُ ... أحدثوا الفتك، غواة مردة
قد سَقيت الخمر حتى ثملوا ... ليلةً ذات رياح حَرِدة
وقال آخر:
ونديم إن أنت نادمته مُتَّ بالندم
حجر المنجنيق ليس يبالي بمن صدم
وقال آخر:
لا تقعدن ومعربدًا في مجلسٍ ... إلا وترسٌ في شمالك واقِ
وبكفك اليمنى حُسامٌ صارمٌ ... عضبٌ يقط جماجم الأعناقِ
1 / 102