Qut Qulub
قوت القلوب
Investigator
د. عاصم إبراهيم الكيالي
Publisher
دار الكتب العلمية - بيروت
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٢٦ هـ -٢٠٠٥ م
Publisher Location
لبنان
إخفاء العمل مع وجد أخيك عليك لأن أخاك إذا دعاك إلى طعام صنعه لك فلم تجبه ولم تعتذر إليه عذرًا بيّنًا يقبله منك ويعرفه شق عليه إن كان صادقًا في دعائك.
وبمعنى هذا من خفي الأعمال ما يحكى عن بعض السلف أنه كان يكون في الجماعة فيقرأ في نفسه سرًّا لئلا يطلع على أعماله أحد فإذا مرّ بآية فيها سجدة سجد بين الملأ فكنا نعرف بسجوده أنه يقرأ فلعل فارغًا قليل الفقه يقول: إن هذا قدأظهر عمله إذ فعل ما يدل عليه فلو ترك السجود ليخفي عمله كان أفضل لأنه قد أظهر ما أخفاه فهذا يدل على جهله بالمعاملة، وقد سمعت بعض العلماء يطعن على هذا بفعله بمعنى ما ذكرناه من القول وهكذا يكون علم المريدين القصيرين العلم وليس الأمر كما قدره هذا المنكر بسجوده بل القائل المنكر لفعله قليل الفقه بدقائق الإخلاص جاهل بطريقة العاملين من العارفين والعامل الذي نقل عنه هذا الفعل فقيه مخلص وذلك لأنه قد حاز الفضلين معًا لأنه كان فاضلًا فيما أخفى إذ ابتدأ عمله بالخفية فلما جاء السجود الذي لايكون إلا ظاهرًا لم يصلح أن يترك قربة إلى الله ﷿ من أجل الناس فكان يسجد كما أمر به ويقرأ كما ندب إليه فصار فاضلًا في الحال الثاني لأنه أظهر لأجل الله ﷿ كما أخفى لأجله ولأنه ترك مراقبة الناس ولم يترك عمله لأجلهم ولو كان الفضل في ترك السجود لإخفاء العمل كان الأفضل لمن دخل عليه في منزله وهو يصلي أن يقعد لأجلهم.
وقد وردت السنة في ذلك أن له أجرين: أجر السر وأجر العلانية، كيف وقد كانوا يعدون أن الرياء ترك العمل لأجل الناس فأما العمل لأجلهم فشرك، وقد قيل: لا تعمل للرياء ولا تترك العمل للحياء، فالحياء من الخلق شرك كما إن الحياء من الخالق إيمان.
وأيضًا لو أنه أطاع العدوّ في ترك العمل لأجل الناس أطاعه مرة أخرى في العمل لأجلهم، ومثل هذا كمثل من كان يصوم ويصلي يومه أجمع في منزله لا يعلم به مخلوق فلو نوى الاعتكاف ليضمه إلى صومه خرج إلى المسجد فكان يصلّي مقيمًا فيه فظهر الناس على عمله فلم يكن ليدع مانواه من العكوف في المسجد لأجل نظرهم إليه ولم يضره ظهور عمله لثباته على نيته ولمزيد من الاعتكاف إذا كان عالمًا متمكنًا، وأيضًا فان الإمام المتمكن المقتدى به لايضره ظهور الناس على أعماله إذا لم يقصد ذلك ولم يحب مدحهم وربما كان له أجر، إن في ذلك لتنبيه الغافلين عن الذكر وتشويق العاملين إلى البر كيف وعند بعض العلماء أن سجود القرآن فرض وأن على من سمع آية سجدة أو تلاها وكان على غير وضوء أن يسجد لها إذا توضأ، ونحو هذه المعاني ما هو حال للعبد وأولى به من حال غيره ما رواه أبو نصر التمار أن رجلًا جاء يودع بشر بن الحرث قال: قد عزمت على الحج أفتأمرني بشيء؟ فقال له بشر: كم أعددت للنفقة؟ قال: ألفي درهم قال: فأي شيء تبتغي بحجك نزهة أو اشتياقًا إلى البيت أو ابتغاء مرضاة الله ﷿، قال: ابتغاء مرضاة الله ﷿ قال: فإن أصبت
1 / 165