مَا جَاءَ فِي فَضَائِلِ الشُّهَدَاءِ وَثَوَابِهِمْ
- قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ الرَّسُولُ ﵊: «الشَّهِيدُ لا يَجِدُ أَلَمَ الْقَتْلِ إِلا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ أَلَمَ الْقَرْصَةِ» .
- وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﵊: «إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ، وَنَزَلَ الصَّبْرُ، كَانَ الْقَتْلُ أَهْوَنَ عَلَى الشَّهِيدِ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْيَوْمِ الصَّائِفِ» .
٤- وَقَالَ الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " لِلشَّهِيدِ عَشْرُ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهِ، وَلا يَذُوقُ كُرَبَ الْمَوْتِ، وَلا تُفْزِعُهُ الصَّيْحَةُ، وَلا يُقِيمُ فِي طُولِ الْبَرْزَخِ، وَيُؤَمَّنُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَطُولَ الْوُقُوفِ فِي الْمَوْقِفِ، وَيَأْمَنُ الْحِسَابَ، وَيَأْمَنُ الصِّرَاطَ، وَيَأْمَنُ الْمِيزَانَ وَيَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ ".
٥- وَقَالَ الْعَلاءُ بْنُ كَثِيرٍ: مَا سَمِعْتُ فِي الشُّهَدَاءِ بِحَدِيثٍ أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ حِينَ يَجْمَعُ اللَّهُ الْخَلائِقَ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمْ، أَنَّ الشُّهَدَاءَ يَتَدَاعَوْنَ فَيَقُولُونَ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى رَبِّنَا نَنْظُرْ كَيْفَ يَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِهِ.
- قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﵊ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ ﵎: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [الزمر: ٦٨] .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " الشُّهَدَاءُ هُمُ الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّهُ إِذَا سَمِعُوا النَّفْخَةَ الأُولَى قَالُوا: كَأَنَّ هَذَا أَذَانَ الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا، فَلا يَمُوتُونَ وَلا يَفْزَعُونَ، قَالَ: وَهُمْ تَحْتَ الْعَرْشِ مُتَقَلِّدِينَ السُّيُوفِ ".
- وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُؤْتَى الشَّهِيدُ بِجَسَدٍ مِنَ الْجَنَّةِ كَأَحْسَنِ جَسَدٍ فَيُؤْمَرُ بِرُوحِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ، فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى جَسَدِهِ وَكَيْفَ يُبْعَثُ بِهِ، وَمَا يُصْنَعُ بِهِ، وَمَنْ يَتَحَزَّنُ لَهُ وَمَنْ لا يَتَحَزَّنُ لَهُ، وَيَتَكَلَّمُ فَيَرَى أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَهُ، وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فَيَرَى أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَأْتِيهِ أَزْوَاجُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فَيَذْهَبْنَ بِهِ» .
٨- وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ الْخُرَسَانِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهُ ﵊: " تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ عِنْدَ صَفِّ الْقِتَالِ وَصَفِّ الصَّلاةِ، فَإِذَا رَكِبْتُمْ خَيْلَكُمْ وَصَافَفْتُمْ عَدُوَّكُمْ تَزَيَّنُ الْحُورُ الْعِينُ بِالْحَرِيرِ الأَخْضَرِ، وَلَبِسْنَ وُشُحَ الدُّرِّ الأَصْفَرِ، وَحَسَرْنَ عَنْ قُصَصِهِنَّ وَصُدُورِهِنَّ، ثُمَّ رَكِبْنَ خَيْلا مِنْ خَيْلِ الْجَنَّةِ بِرَكَائِلِ الْيَاقُوتِ، وَجِئْنَ يَسِرْنَ خَلْفَهُنَّ، فَإِذَا حَمَلْتُمْ حَمَلْنَ مَعَكُمْ، وَإِذَا صُرِعَ أَحَدُكُمْ أَقْبَلْنَ يَمْسَحْنَ الدَّمَ وَالْغُبَارَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقُلْنَ: الْيَوْمَ تَنْقَضِي عَنْكُمُ الدُّنْيَا وَهُمُومُهَا، وَجَاوَرْتُمِ الرَّبَّ الْكَرِيمَ، وَشَرِبْتُمْ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَعَايَنْتُمْ أَزْوَاجَكُمْ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ".
٩- وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: كُنْتُ فِي غَزَاةٍ فَاسْتَيْقَظْتُ وَرَجُلٌ يَبْكِي أَشَدَّ بُكَاءٍ وَيَقُولُ: يَا أَهْلاهُ يَا أَهْلاهُ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّمَا نَقْفُلُ غَدًا، فَاتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرْ، فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ أَبْكِي عَلَى أَهْلِي الَّذِينَ فَارَقْتُ فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنِّي أُتِيتُ آنِفًا فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لِي: انْطَلِقْ إِلَى زَوْجَتِكَ الْعَيْنَاءِ فَانْطُلِقَ بِي فَرُفِعَ لِي أَرْضٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا، فَإِذَا بِجَوَارٍ لَمْ أَرَ مِثْلَ حُسْنِهِنَّ وَثِيَابِهِنَّ، فَسَلَّمْتُ فَرَدَدْنَ السَّلامَ، فَقُلْتُ: أَفِيكُنَّ الْعَيْنَاءُ؟ قُلْنَ: لا، وَنَحْنُ مِنْ خَدَمِهَا، وَهِيَ أَمَامَكَ، فَمَضَيْتُ، فَرُفِعَتْ لِي أَرْضٌ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى، وَإِذَا بِجَوَارٍ أَحْسَنُ مِنَ الأَوَّلِ، فَسَلَّمْتُ فَرَدَدْنَ السَّلامَ، فَقُلْتُ: أَفِيكُنَّ الْعَيْنَاءُ؟ قُلْنَ: لا، وَنَحْنُ مِنْ خَدَمِهَا، وَهِيَ فِي تِلْكَ الدُّرَّةِ، فَأَتَيْتُهَا، فَإِذَا بِامْرَأَةٍ جَالِسَةٍ عَلَى السَّرِيرِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، فُضُولُ عَجِيزَتِهَا خَارِجٌ مِنَ السَّرِيرِ فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّتِ السَّلامَ، وَجَلَسْتُ إِلَيْهَا، فَحَدَّثَتْنِي وَحَدَّثْتُهَا، ثُمَّ ذَهَبْتُ لأَنْهَضَ، فَأَخْرَجَتْ مِعْصَمًا لَهَا كَمَا شَاءَ اللَّهُ فَقَالَتْ: مَا أَنْتَ بِالَّذِي تُفَارِقُنَا حَتَّى تُعَاهِدَنَا بِاللَّهِ لَتَبِيتَنَّ عِنْدَنَا الْقَابِلَةَ، فَعَاهَدْتُهَا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ انْتَبَهْتُ فَعَلَيْهَا أَبْكِي، ثُمَّ أَخَذَ فِي بُكَائِهِ، وَنُودِيَ فِي الْخَيْلِ فَفَزِعَ النَّاسُ إِلَى خَيْلِهِمْ وَسِلاحِهِمْ، فَكَانَ الرَّجُلُ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنَّا.
قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: نَشْهَدُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ الْعَيْنَاءِ.
- وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «الشُّهَدَاءُ ثَلاثَةٌ» رَجُلٌ خَرَجَ مُجَاهِدًا بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَنِيَّتِهِ أَلا يَقْتُلَ وَلا يُقْتَلُ، وَهُوَ يُكْثِرُ النَّاسَ بِسَوَادِهِ وَفُسْطَاطِهِ - أَصَابَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ، فَذَلِكَ يُغْفَرُ لَهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقَعُ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دَمِهِ، وَيُؤْتَى بِجَسَدٍ مِنَ الْجَنَّةِ فَيُجْعَلُ فِيهِ رُوحُهُ، ثُمَّ يُؤْتَى بِحُلَّةٍ مِنَ الْجَنَّةِ فَتُصَبُّ عَلَيْهِ لَهَا سَبْعُونَ لَوْنًا كَشَقَائِقِ النُّعْمَانِ، ثُمَّ يَعْرُجُ مَعَ الْمَلائِكَةِ حَتَّى يُؤْتَى بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَنِيَّتِهِ أَنْ يَقْتُلَ وَلا يُقْتَلَ، أَصَابَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ، فَذَلِكَ رَفِيقُ إِبْرَاهِيمَ تَمَسُّ رُكْبَتُهُ رُكْبَةَ إِبْرَاهِيمَ.
وَرَجُلٌ خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَنِيَّتِهِ، أَنْ يَقْتُلَ وَيُقْتَلَ فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ شَاهِرًا سَيْفَهُ يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ مَا شَاءَ ".
١- وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ: وَلَمَّا غَزَا الْمُسْلِمُونَ صَقَلِّيَةَ، نَاهَضُوا حِصْنَهَا، فَجَاءَ حَجَرٌ مِنَ الْمِنْجَنِيقِ فَوَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ، فَطَارَتْ مِنْهُ شَظِيَّةٌ فَأَصَابَتْ رُكْبَةَ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: نَجِيحٌ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَنَجُّوهُ إِلَى الرَّبَضِ فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ، وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَسُئِلَ عَنْ ضَحِكِهِ وَعَنْ بُكَائِهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ رَأَيْتُ أَنَّهُ انْطُلِقَ بِهِ إِلَى غُرْفَةٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ عَجِبْتُ مِنْ نُورِهَا وَبَهَائِهَا، وَثِيَابِهَا وَحُلِيِّهَا، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا بِالْجَافِي الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُنَا اللَّهَ، أَمَا إِنِّي لَسْتُ كَفُلانَةَ الَّتِي كَانَتْ تَفَعْلُ بِكَ هَذَا، فَعَدَدْتُ مَا أَعْرِفُ، فَضَحِكْتُ فَمَمَدْتُ يَدِي إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: تَأْتِينَا مَعَ صَلاةِ الظُّهْرِ، فَبَكَيْتُ وَقُلْتُ: أَأُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا؟ إِلَى دَارِ الزَّوَالِ؟ فَجَعَلَ يَقُولُ: زَالَتِ الشَّمْسُ حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَمَاتَ عِنْدَ الزَّوَالِ.
٢- وَقَالَ حِبَّانُ بْنُ أَبِي جَبَلَةَ: كُنَّا مُحَاصرِينَ حِصْنًا مِنْ بَعْضِ حُصُونِ الْعَدُوِّ، فَخَرَجَ رَجُلانِ مِنَّا إِلَى الْحِصْنِ لِيُقَاتِلا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: هَلْ لَكَ أَنْ تَغْتَسِلَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُعَرِّضَنَا لِلشَّهَادَةِ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: مَا أُرِيدُ أَنْ أَغْتَسِلَ، فَاغْتَسَلَ الآخَرُ، فَمَا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ أَتَاهُ حَجَرٌ مِنَ الْحِصْنِ فَأَصَابَهُ فَخَرَّ صَعِقًا، فَمَرَرْتُ بِهِمْ وَهُمْ يَحْمِلُونَهُ إِلَى خِبَائِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْ شَأْنِهِ فَأَخْبَرُونِي فَانْصَرَفْتُ إِلَى أَصْحَابِي ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَشُكُّونَ هَلْ مَاتَ أَوْ بَقِيَتْ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ رُوحٍ؟ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ ضَحِكَ فَقُلْنَا: إِنَّهُ وَاللَّهِ لَحِيٌّ ثُمَّ مَكَثْنَا مَلِيًّا، ثُمَّ ضَحِكَ أُخْرَى، ثُمَّ مَكَثْنَا مَلِيًّا ثُمَّ بَكَى وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَقُلْتُ: أَبْشِرْ يَا فُلانُ فَلا بَأْسَ عَلَيْكَ، ثُمَّ قُلْنَا: لَقَدْ رَأَيْنَا مِنْكَ عَجَبًا! نَحْنُ نَظُنُّ أَنَّكَ قَدِمْتَ فَرَأَيْنَاكَ ضَحِكْتَ، ثُمَّ مَكَثْتَ مَلِيًّا ثُمَّ ضَحِكْتَ، ثُمَّ مَكَثْتَ مَلِيًّا ثُمَّ بَكَيْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَمَّا أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي أَتَانِي رَجُلٌ فَأَخَذَ بِيَدِي فَمَضَى بِي إِلَى قَصْرٍ مِنْ يَاقُوتٍ، فَوَقَفَ بِي عَلَى الْبَابِ، فَخَرَجَ إِلَيَّ غِلْمَانٌ مُشَمِّرُونَ لَمْ أَرَ مِثْلَهُمْ قَطُّ، فَقَالُوا: مَرْحَبًا وَأَهْلا بِسَيِّدِنَا، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتُمْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ خَلَقَنَا اللَّهُ لَكَ، قَالَ: ثُمَّ مُضِيَ بِي حَتَّى أُتِيَ بِي إِلَى قَصْرٍ آخَرَ فَخَرَجَ إِلَيَّ مِنْهُ غِلْمَانٌ أَحْسَنُ مِنَ الأُوَلِ، فَقَالُوا: مَرْحَبًا وَأَهْلا بِسَيِّدِنَا، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتُمْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ خَلَقَنَا اللَّهُ لَكَ، ثُمَّ مُضِيَ بِي حَتَّى أُتِيَ إِلَى بَيْتٍ لا أَدْرِي مِنْ يَاقُوتَةٍ أَوْ زُمُرُّدَةٍ أَوْ لُؤْلُؤَةٍ، فَخَرَجَ إِلَيَّ مِنْهُ غِلْمَانٌ مُشَمِّرُونَ أَنْسَوْنِي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَقَالُوا: مَرْحَبًا وَأَهْلا بِسَيِّدِنَا، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتُمْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ قُلْنَا لَكَ، ثُمَّ وُقِفَ بِي عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، فَإِذَا بِبَيْتٍ مَبْسُوطٍ بِبِسَاطٍ عَلَيْهِ فُرُشٌ مَرْفُوعَةٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ سِمَاطَيْنِ، فَأَدْخَلَنِي الْبَيْتَ وَفِيهِ بَابَانِ: بَابٌ عَنْ يَمِينِي، وَبَابٌ عَنْ يَسَارِي، فَأَلْقَيْتُ نَفْسِي عَلَى النَّمَارِقِ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلا أَلْقَيْتَ نَفْسَكَ عَلَى هَذِهِ الْفُرُشِ فَإِنَّكَ قَدْ نَصَبْتَ فِي يَوْمِكَ هَذَا، فَقُمْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى تِلْكَ الْفُرُشِ عَلَى وِطَاءٍ لَمْ أَضَعْ جَنْبِي عَلَى مِثْلِهِ قَطُّ، فَبَيْنَمَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ إِذْ سَمِعْتُ حِسًّا مِنْ أَحَدِ الْبَابَيْنِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ لَمْ أَرَ مِثْلَ جَمَالِهَا وَلا مِثْلَ لِبَاسِهَا! فَأَقْبَلَتْ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَيَّ لَمْ تَتَخَطَّ فِي تِلْكَ النَّمَارِقِ وَلَكِنْ أَقْبَلَتْ بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَيَّ فَسَلَّمَتْ، فَرَدَدْتُ ﵍، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتِ بَارَكَ اللَّهُ فِيكِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا زَوْجَتُكَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، قَالَ: فَضَحِكْتُ فَرَحًا بِهَا، فَأَقَامَتْ تُحَدِّثُنِي وَتُذَاكِرُنِي أَمْرَ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا كَأَنَّ ذَلِكَ مَعَهَا فِي كِتَابٍ، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْتُ حِسًّا مِنَ الْبَابِ الآخَرِ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ كَصَاحِبَتِهَا أَوْ أَحْسَنَ، فَأَقْبَلَتْ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَيَّ كَنَحْوٍ مِمَّا صَنَعَتْ صَاحِبَتُهَا، فَمَكَثَتْ تُحَدِّثُنِي وَتُذَاكِرُنِي مِثْلَ الأُخْرَى وَأَقْصَرَتِ الأُخْرَى عَنِ الْحَدِيثِ وَفَرَّغَتْنِي لَهَا، قَالَ: فَأَهْوَيْتُ إِلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ: كَمَا أَنْتَ إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَأْنِ، إِنَّ ذَلِك مَعَ صَلاةِ الظُّهْرِ، قَالَ: فَمَا أَدْرِي قَالَتْ ذَاكَ أَوْ رُمِيَ بِي إِلَى هَذِهِ الصَّحَرَاءِ لا أَرَى مِنْهُمْ أَحَدًا، فَبَكَيْتُ عِنْدَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي جَبَلَةَ: فَمَا صَلَّيْنَا الظُّهْرَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ.
1 / 30