وكانت إيونونيه من غير ريب، وكان الجبل مستراد باريس الذي يريح فيه قطعانه، ثم ينطلق للقاء حبيبته فيتباثان ويتشاكيان.
وأقبل باريس يشدو لشائه ويغني فزلزل قلب إيونونيه، وهلعت نفسها وفرقت على حبيبها فرقا شديدا؛ ذلك أن أخبار النزاع الذي انتهى إليه يوم الزفاف من أجل تفاحة إيريس كانت قد شاعت، وتسامع بها كل عرائس البحار؛ فلما عرفت إيونونيه ما اجتمع الربات من أجله اضطربت أيما اضطراب، وقلقت على باريس أيما قلق؛ لأنه وحده هو الذي يجوز بهذا الطريق حين ينفذ إليها يحلمان ويتناجيان. وكان مصدر قلقها هو ما عساه أن يجره على نفسه - إذا قضى بينهن - من سخط الربتين اللتين لا يقضى لهما بالتفاحة.
5
وصاحت حيرا: «قف أيها الراعي الجميل فاحكم بيننا فيما نحن مختلفات فيه: تلك تفاحة من الذهب ساقتها السماء إلينا منحة منها لأكثرنا جمالا وأسطعنا رونقا، وأنا حيرا، مليكة الأولمب، وذات الحول والطول فيه، وربة التاج والصولجان، وصاحبة القوة والسلطان، وآثر أزواج ربك، كبير الآلهة، وأحبهن إليه، أنا حيرا ذات الجبروت، وولدي مارس إله الحرب، ورب الطعن والضرب، أقوى أبناء زيوس العظيم، وولدي فلكان كذلك، إذا شئت سرد لك الدروع من حديد فتصبح سيد أبطال العالم، لا يشق لك غبار ولا يجرى معك في مضمار، إذا خضت حربا حماك مارس وأيدك ونصرك فلكان وآزرك، ألست ترى إذن أيها الراعي الجميل أنني أحق من هاتين بتلك التفاحة؟ أنا حيرا مليكة الأولمب سأمنحك الثروة التي لا تفنى والسلطان الذي لا يبيد، سأجعلك ملك هذه الديار التي ترى، ستكون صاحب عرش وتاج، وستستريح إلى الأبد من هذه الحياة الضنك التي تحياها، أنت جميل يا فتى، وأنت بعرش عظيم أولى منك بهذا القطيع الذي يثغو.»
وصمتت حيرا، وجعل باريس يقلب في التفاحة ناظريه، وفي قلبه مما رأى وما سمع فرق عظيم.
لقد كانت حيرا تختال في ثوبها الأولمبي الموشى، وكان طاووسها الجميل - الذي اتخذته منذ الأزل رمزا لها - يتشبث بناصيتها ويميس فيزيدها جلالا وكبرياء.
وأوشك الفتى الراعي أن يقدم التفاحة لحيرا لولا أن صاحت به مينرفا: «على رسلك أيها الشاب، اسمع منا جميعا ثم اقض بيننا، أنا لن أزخرف عليك بملك ولا سلطان، فأنت أعقل من أن تنخدع بالعرض الزائل وأعلى من أن يهيمن جسمك على عقلك ، وهواك على قلبك. أنا مينرفا ربة الحكمة وإلهة الروح الأعلى المقدس، سأمنحك السداد، سأكشف لك حجب الجهالة، وسيضيء مصباح المعرفة بين يديك فتكون أهدى الناس وأعلم الناس وأحكم الناس.»
وسكتت مينرفا؛ وسمع هاتف من جهة البحر يصيح: «باريس، أعطها لمينرفا يا باريس.» وكانت إيونونيه ما في ذلك شك.
وكاد باريس يلقي بالتفاحة في يد مينرفا لولا أن تقدمت فينوس الصناع، فينوس الحلوة، فينوس الساحرة، فينوس ذات الدل، فينوس التي تكفي غمزة ماكرة من طرفها الفاتر الساجي لإذلال ألف قلب، لولا أن تقدمت فينوس كلها تطارد قلب باريس وتحاصر عينيه حتى ما يقعان إلا على عينيها، تقدمت فينوس ترنو وتبتسم، وتتبرج وتهتز وتشد هذا الثدي وتثني هذه الذراع، وتميل رأسها الذي كله خدود وعيون وأصداغ، تقدمت فينوس تبسم للراعي الجميل عن فم حلو رقيق تتلألأ ثناياه ويتضوع عبير خمره، وقالت: «باريس، هل لك عينان تعرفان الغزل، وقلب يعرف الحب؟ باريس، أنا فينوس التي صليت لها بالأمس، والتمست منها التوفيق، ها أنا ذي يا باريس، أليست التفاحة للأجمل! ألست تحب أن أهبك أجمل زوجة في العالم؟ ستكون زوجتك مثلي تغمرك بجمال لا نهائي لا حدود له، ولن تشعر معها إلا أنك تعيش منها في جنة، قبل، نظرات حلوة، خد مورد، أهداب كظلال الخلد، ساق ملتفة عبلة، جسم ممشوق طوال، جيد مهتز ناضج، ثدي مثمر يتحلب نعيما، هاتها يا باريس هاتها يا حبيبي.»
وقبل أن تتم الخبيثة سحرها كان الفتى البائس قد ألقى التفاحة في يديها الجميلتين برغم الصيحات المتتالية التي كانت تهتف به من البحر: «لا يا باريس، لا يا باريس، أعطها لمينرفا يا باريس!»
Unknown page