وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة، عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله، في وسط شجر الجنة، فنادي الرب الإله آدم وقال له: أين أنت؟ فقال: صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان، فاختبأت فقال: من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي التي أعطتني من الشجرة فأكلت؟ فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلت؟ فقالت المرأة: الحية غرتني فأكلت، فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية، على بطنك تسعين وترابا تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه. وقال للمرأة: تكثيرا أكثر أتعاب حبلك بالوجع تلدين أولادا، وإلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك، وقال لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك، وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا لا تأكل منها ، ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكا وحسكا تنبت لك، وتأكل الحقل، بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب وإلي تراب تعود.
ودعا آدم اسم امرأته حواء، لأنها أم كل حي، وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما.
وقال الرب الإله، هو ذا الإنسان، قد صار كواحد منا، عارفا الخير والشر، والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا، ويأكل ويحيا إلى الأبد ... فطرد الإنسان، وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم، ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة.
من البين في هذه القصة التوراتية بشأن التكوين، أن هناك روايتين أصليتين تم دمجهما في قصة واحدة، وتشير إلى ذلك دلائل شاهدة:
مرة يقوم بفعل من أفعال الخلق من سمي «الله»، وهو في الأصل العبري «يهوه» كما في النص «في البدء خلق الله» و«قال الله»، ومرة يقوم بأفعال أخرى للخلق زعيم المجمع الإلهي «إلوهيم»، الذي ميزناه باسم «الرب الإله»، وصيغة حديث الرب الإله تشير بوضوح سافر إلى تشاوره المستمر مع أعضاء هذا المجمع «إلوهيم»، كاستشارته لأعضائه «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا.» أو كما في إعلامه المجموعة الإلهية بالخبر المفزع الذي أثار القلق الشديد لدي الرب الإله «هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر.» وإن هذا الكائن الجديد ربما تطاول وأخذ من شحرة الحياة الخالدة، فيصبح خالدا مثلهم.
في موضع يقوم الإله الخالق بصنع السماء والأرض دفعة واحدة «في البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية.» بينما في موضع آخر تكون السماء والأرض موجودتين أصلا كيم ماء أزلي، يفتقه الله عن بعضه إلى سماء وأرض.
في مشهد يقوم من لقب ب «الله» أو يهوه بإنبات النبات في الأرض، ويضع فيها حيوانها ودباباتها، بينما في مشهد آخر نجد برية بلا عشب يقوم الرب الإله فيها بخلق آدم، ثم فجأة يضعه في مكان أرضي يسمي الجنة ليزرعها ويفلحها ويعملها ويحفظها، وفيه نباتات مختلفة، أهمها شجرتان؛ شجرة المعرفة، وشجرة الحياة. وواضح أن هذا المكان كان موطنا تعيش فيه مجموعة الآلهة «إلوهيم» مع كبيرها «الرب الإله» فقط، بدليل خشية الرب الإله أن يتجرأ مخلوقه «آدم» ويأكل من شجرة الخلد الخاصة بالآلهة الخالدة وحدها، خاصة بعدما تجرأ على الأكل من شجرة المعرفة، مما جعله يصبح كالآلهة يميز بين الخير والشر.
هذا مع تناقض واضح يشير إلى هذا الانفصال الأكيد لروايتين مختلفتين من الأصل، تم مزجهما معا، فنفهم في أحد مواضع قصة التكوين أن آدم عندما وضع في مقر إلهه الخالد، لم يكن محرما عليه أكل ثمرة الخلد أساسا، بينما نفهم من موضع آخر أنه كان مخلوقا للفناء «حتى تعود إلى الأرض، التي أخذت منها، لأنك تراب، وإلى تراب تعود.»
ثم تضارب آخر، فلدينا رواية تؤكد أن عملية الخلق بدأت بخلق السماوات والأرض دفعة واحدة، فتقول الرواية: «إن الله قال: ليكن نور فخلق النهار والليل.» بينما الرواية التي تتحدث عن السماء والأرض كموجود واحد أصلي في هيئة غمر أزلي مظلم، ترجئ إيصال الإنارة إلى ما بعد فتق هذا المحيط إلى سماء وأرض.
ثم يظهر تضارب آخر بين القصتين، في كنه عملية الخلق ذاتها فالله يتخذ كل مرة قرارا للخلق بالكلمة فقط، لكنه في كل مرة كان يتبع كلمته الخالقة بعمل يدوي من صنع يديه لإيجاد الشيء المراد خلقه: «وقال الله ليكن جلد ... فعمل الله الجلد، وقال الله لتكن أنوار ... فعمل الله النورين العظيمين ... إلخ.»
Unknown page