طالبنا بالاستقلال التام فقالوا خرجتم على الباب العالي
(1) الاستقلال والدستور
بعد ظهور صحيفة الجريدة ببضعة أشهر تألف «حزب الأمة» في 21 ديسمبر سنة 1907، وقد تضمن منهاجه عدة مبادئ في رأسها المطالبة بالاستقلال التام
1
والمطالبة بالدستور، وأقل درجاته توسيع اختصاص مجلس شورى القوانين، ومجلس المديريات؛ تدرجا إلى إيجاد مجلس نيابي تتمثل فيه سلطات الشعب، وقد اختير محمود سليمان باشا رئيسا لهذا الحزب، وحسن عبد الرازق باشا الكبير، وعلي شعراوي باشا وكيلين له، واخترت أنا سكرتيرا عاما.
وقد اتخذت بعض الصحف من مطالبة هذا الحزب بالاستقلال التام ذريعة للتشنيع عليه، واتهامة بالخروج على الباب العالي صاحب السيادة على مصر في ذلك الحين، ولكننا لم نأبه لهذه التهمة، ومضينا في طريقنا، وكان لنا كثرة أو شبهها في مجلس شورى القوانين، فأخذت في مهاجمة الحكومة الاستبدادية والمطالبة بالدستور، وقدم محمود سليمان باشا وحسن عبد الرازق باشا إلى رئيس الحكومة مشروعا بتوسيع اختصاص مجالس المديريات، فقدمت الحكومة مشروعا آخر أقل سعة من مشروعنا، وقد سرنا أنها سارت في هذه الطريق للوصول إلى تحقيق إرادة الأمة، والتحرر من سلطة الحكومة الشخصية، تلك الحكومة التي لا تستمد وجودها إلا من أصل واحد هو عبادة البسالة، عبادة القوى، عبادة القهر والغلبة والاستبداد، وما يجتمع حول تلك العبادة من الأوهام التي تتجسم في رءوس العامة، وقد جاء العلم، ففتح للناس أسرار العالم وأصبح العالم بذلك هو موضوع الإعجاب والإكبار، وصار العظماء أمام هذا العالم الطبيعي وقوته لا نصيب لهم من ذلك الإعجاب والإكبار، فتجردوا بهذه المثابة عن الأصل الذي كانوا يستخدمونه في إنشاء الممالك المستبدة، ولكنه مع ذلك قد بقي في نفوس الناس طرف غير قليل من الأوهام القديمة، تلك الأوهام التي كانت في كثير من الأزمان كافية لإخضاعهم لشخص واحد يتصرف في دمائهم وأموالهم من غير أن ينزل لسماع أقوالهم أو الإصغاء لرغباتهم، لذلك كنا ننادي بتوسيع اختصاص الهيئات النيابية؛ توصلا للحصول على الدستور الذي تتقرر به سلطة الحكومة الشخصية أو حكومة الفرد. (2) انتخابي لمجلس المديرية
وفي عام 1908 أراد حزبي أن أكون مع أعضائه في مجلس شورى القوانين، فرشحت نفسي لمجلس مديرية الدقهلية؛ لأن عضو مجلس الشورى كان ينتخبه أعضاء مجلس المديرية من بينهم فلم أنجح في هذا الانتخاب، ثم رشحت نفسي في الانتخاب الذي بعده سنة 1911 فنجحت، ولكن طعن في بأني لست مقيما في بلدتي «برقين» وألغت محكمة الزقازيق الانتخاب فعدت للانتخاب مرة أخرى، فنجحت بأصوات أكثر من الأولى، وكان الخديو - فيما يقال - يرتاح إلى الطعن في انتخابي، وذات يوم خاطبني بالتليفون عبد الله وهبي باشا ودعاني إلى الشاي في بيته، فوجدت عنده جاد بك مصطفى الطاعن في انتخابي، فتحادثنا في شئون الانتخاب، فقال لي رحمه الله: «إن صداقتي لأبيك، وتقديري لك يجعلاني أتنازل عن الطعن بشرط أن تأتي أنت ووالدك، وشكري باشا المدير للغداء عندي في قريتي «صدفة» يوم الجمعة المقبل.»
فأجبته إلى رغبته.
وفي ذلك الوقت عاد الدكتور محمد حسين هيكل من أوربا، بعد أن حصل على إجازة الدكتوراه، أخذته معي في زيارة لكثير من القرى لأقف على حالة التعليم الأولى، وأقدم بذلك تقريرا لمجلس المديرية، وقد فعلت.
ومن طريف ما يذكر هنا، أننا مررنا بكتاب في إحدى القرى، فوجدنا قلة في عدد التلاميذ، فقلت للشيخ: «أظن أنك صرفت الأطفال لتنقية الدودة!»
Unknown page