ريا الحبيب، ولا شىء كنفحته
وهنا يهيج أطرابى وأشجانى
حثا شرابهما حتي رأيتهما
لايسمعان، وإن كانا يقولان
هما أثيران علانى على ظمأ
وبالشراب على سرى يغوصان
ولم أكن أعنى هذه السمينة الجميلة، ولكن صورة مجلس الشراب الأول ألحت على، فمضى القلم يرسمها فى التى يطربنى منها ما نثيره من الذكرى.
ولا أحتاج أن أقول أنى سكرت، وقد دخلت على أمى، وشمت من فمى رائحة الخل، فغضبت غضبا شديدا ودعت جدتى «لأبى» وقالت انظرى ما صنع خيرى بأخيه؟ فنادت جدتى أخى، فأقبل عليها يبتسم لها، فصاحت به: «يا قليل الحيا يا مزبلح.. خد» وخلعت القبقاب، وأهوت به على أخى وهو يضحك فيلاطفها ويعتذر ويسألها الصفح، ويحاول أن يطمئنها على، وكنت أنا قد تسللت إلى غرفتي، وارتميت على السرير، ولم أكد أفعل حتى ألقيت ما فى جوفى على البساط، فخجلت.
ولم أعد أطيق أن أنظر إلى وجه أمى أو جدتى، فصعدت إلى السطح وانحدرت منه - على السلم المعهود - إلى سطح الفتاة ونزلت إلى الفناء، وأهبت بها أن تؤوينى، وتخفينى عن العيون - حتى عيون أمها وأختها - فحارت كيف اصنع، ورأيت أنا باب الحجرة المهجورة فدفعته ودخلت وقلت هنا أختبئ، ولم يكن فى الحجرة شىء يصلح للجلوس أو الرقاد، فسرقت الفتاة كرسيا قعدت عليه حتى نتدبر الأمر، ثم جاءتنى بحصير ومخدة فارتميت ونمت ساعات، ولما أفقت كانت قد هيأت لى طعاما - بيضا مسلوقا وقطعة من الجبن وبضع زيتونات وخبزا - فأكلت هنيئا وشربت ماء كثيرا.
فى هذه الحجرة قضيت ليلتين، وكنت فيها كأنى فى سجن، فما كنت أبرحها إلا دقائق حين آمن العيون، وكانت الفتاة تؤنسنى بوجودها، وتجيئنى بأخبار البحث عنى، وقد ضحكنا جدا لما روت لى أنهم أطلقوا مناديا يصيح فى الشوارع «ياللى شاف ولد تايه عمره اتناشر سنة لابس جلابية بيضة وراسه عريانة اسمه إبراهيم ... الخ الخ».
Unknown page