Qissat Falsafa Yunaniyya
قصة الفلسفة اليونانية
Genres
يقول إن المادة هي مصدر التعدد، وهي سبب الشرور؛ لأنها عبارة عن العدم، والعدم أشد درجات النقص، والنقص هو الشر، وإذن فالمادة هي منشأ الشرور جميعا، وغاية الحياة التحرر من ربقة المادة، وأول خطوة لذلك التحرر من سلطة الجسم والحواس، وعن هذا تنشأ الفضائل العادية، والخطوة الثانية الفكر والتفلسف، والخطوة الثالثة أن تسمو النفس فوق التفكير وتصل إلى «اللقانة» أو المعرفة أو العلم اللدني. وكل هذه الخطوات إعداد للدرجة الأخيرة - وهي أنه يذوب في الله، وذلك بالهيام والذهول والغيبوبة والوجد - عند ذلك تتحد النفس بالله، ولا يقال في هذه الدرجة إنه يفكر في الله ولا ينظر إلى الله؛ لأن كل هذه العبارات تدل على الانفصال أو وجود شيئين، إنما يتحد بالله ويكون هو وهو وحده. وتصل النفوس البشرية الراقية إلى هذه الدرجة في لحظات من الحياة، ثم تعود إلى حالتها البشرية العادية، وقد ذكر أفلوطين أنه سما إلى هذه الدرجة وذاق لذة الاتحاد وأدرك ساعات التجلي بضع مرات في حياته يقال إنها أربع.
وقد جاء بعد أفلوطين فلاسفة استمروا يرقون هذا المذهب ويعدلونه، من أشهرهم فورفوريوس
ويامبليكوس
Iamblicus
وسريانوس
Syrianus .
وقد كان من أسباب وجود مذهب الأفلاطونية الحديثة انتشار مذهب الشك، فإذا أيقن العقل أنه لا يستطيع الوصول إلى الحق بتفكيره وبحثه حاول أن يعرفه بكشفه ولقانته، يئس العقل من نفسه فلجأ إلى الكشف والإلهام، ورأى أن التفكير المنطقي لم يفده فأمل أن يفيده السكر الروحي.
وكان هذا المذهب يميل أول أمره إلى البحث مشوبا بالإلهام، ثم غرق في الإلهامات، ونفذ منها إلى الشغف بالاطلاع على المغيبات وخوارق العادات، والاعتناء بالسحر، والتصرف بالأسماء والطلاسم والتنجيم والدعوات والعزائم ونحو ذلك.
وطبيعي أن تنتهي عند ذلك الفلسفة؛ لأن الفلسفة إنما أسست على العقل ولا يمكن أن تقبل شيئا فوق العقل، فما ذهبت إليه الأفلاطونية الحديثة من وضع اللقانة والغيبوبة والوجد والإلهام فوق العقل يخالف الفلسفة في أساسها - وهذا النوع أعني نوع إدراك الحق عن طريق الإلهام والوجد واللقانة أقرب إلى النمط الديني منه إلى النمط الفلسفي - عند ذلك خمدت الفلسفة، وظلت خامدة يقتصر المشتغلون بها على تقليب الآراء الفلسفية القديمة وتلوينها حسب ما يحيط بهم من ظروف إلى أن جاء عصر «النهضة» فحييت الفلسفة من جديد، وأسست أنواع من الفلسفة جديدة ووضعت للبحث أنماط جديدة سنعرض لها فيما بعد إن شاء الله.
أهم مصادر الكتاب
Unknown page