Qissat Falsafa Yunaniyya
قصة الفلسفة اليونانية
Genres
7
كذلك لا يجوز لهؤلاء أن يتخذوا زوجات لهم، فلا يكون لواحد منهم أسرة معروفة ينصرف إلى رعايتها دون الدولة التي وضعت أمورها أمانة في عنقه، ويرى أفلاطون أن يخصص لهم جميعا عدد من النساء، ينتخبن من الطبقة العاملة أو يؤخذن ممن وصلت بهن التربية إلى مرتبة الفلسفة والحكم، ويكون لكل واحد منهم الحق في الاتصال بأية امرأة منهن.
فأما الأطفال فينتزعون من أحضان أمهاتهم بمجرد ولادتهم حيث يربون في مكان عام، ويقوم بتربيتهم هؤلاء النسوة أنفسهن، فيكون الأطفال كأنهم جميعا إخوة ، والنساء أمهات لهم، والحكام آباء.
ولا يعترف أفلاطون بالفارق الجنسي في التربية، فلا يحال بين امرأة وبين العلم إذا ما أبدت كفاية ومقدرة، وليس ما يمنع أن تصل المرأة إلى مناصب الحكم إن كانت بها جديرة، فالأمر مرهون بالكفاية وحدها، سواء في ذلك الرجل والمرأة، فإذا لوحظ العجز في رجل جاز أن يكلف بالأعمال المنزلية كغسل الأطباق وما إليها؛ لأنها عندئذ تكون هي المهمة التي أعده الله لها.
أما الاتصال الجنسي فلا يجوز أن يترك للمصادفة العمياء، بل لا بد من تدبير محكم ترسم الدولة خطته لترقية النوع الإنساني، فإذا كنا نبذل عناية دقيقة لتحسين الماشية بطريقة التوليد حتى نظفر بنسل قوي ممتاز، أفليس الأجدر أن نصرف مجهودا وعناية لترقية الإنسان نفسه؟ ومهما بذلنا في نظم التربية من جهد فلن تكفي وحدها لتحقيق ما نريد، إذن فواجب محتوم أن نتدبر الأمر من مبدئه، فنشرف على زواج الرجل السليم من امرأة سليمة «ويجب أن نبدأ التربية قبل الولادة»، فلا يسمح بزواج إلا إذا قدم الزوجان إقرارا طبيا بخلوهما من الأمراض ... هذا، ويحرم على الرجال أن يتزوجوا قبل سن الثلاثين، ثم لا يجوز لهم أن يقربوا النساء بعد الخامسة والخمسين، أما المرأة فيمتد زمن زواجها من سن العشرين إلى سن الأربعين، وكل رجل يرفض الزواج إلى ما بعد الخامسة والثلاثين تفرض عليه ضريبة معينة، وكل طفل يولد من علاقة يحرمها القانون، كأن يكون من أبوين لم يبلغا سن الزواج أو جاوزاها، وكل طفل يولد وفيه عاهة، يترك في العراء حتى يموت.
والزواج بين الأقرباء حرام؛ لأنه يحط بالنوع، ولا بد أن نتخير أحسن الزوجات لأحسن الأزواج حتى يكون الجيل الناشئ قويا سليما، والشبان ذوو الشجاعة الباسلة يباح لهم الاتصال بمن شاءوا من النساء مهما بلغ عددهن؛ لأنه من الخير للدولة أن ينسل أمثال هؤلاء الآباء عددا وفيرا من الأبناء.
يتخذ أفلاطون لمدينته الفاضلة كل هذا التدبير ليطهر أبناءها من العلل والفساد - في رأيه - ولكن سلامة الدولة في داخليتها ليس كل شيء، فهناك وقاية أخرى واجبة وهي أن يذاد عن الأمة بسياج من جيش متين كي لا يتسرب إليها الخطر من الخارج؛ ولذا وجبت العناية الشديدة بالجيش، فيجب على الجيش أن يعيش عيشة غليظة خشنة بسيطة، فيها الاشتراكية التي تسود طبقة الحكام، ومما يجدر ذكره هنا أن المدينة الفاضلة لا تسعى إلى الحرب ولا تميل إليه، وهي تبغي حياة سلم هادئة، فلو أصبحت الدنيا مدنا فاضلة لاستغني عن الجيش؛ ولذلك كان من أول الواجبات على الدولة أن تمنع أسباب الحرب ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وأول تدبير يتخذ لهذه الغاية هو منع زيادة السكان، كذلك تمنع التجارة الخارجية تحاشيا لما تجره وراءها من خلاف ونزاع، وليس من شك في أن التجارة الخارجية نفسها ضرب من ضروب الحرب؛ لأنها تؤدي إلى المنافسة الاقتصادية، وما المنافسة في أي شكل من أشكالها إلا حرب!
هكذا يشاد للأمة بناؤها السياسي: في الذروة نفر قليل من الولاة يقبضون بأيديهم على مقاليد الأمر تشريعا وقضاء وتنفيذا، وتحميهم طبقة دونها وفيرة العدد، هم ضباط الجيش وجنوده، وهذه بدورها تعتمد في عيشها على طبقة ثالثة أحط منها قدرا، وأكثر منها عددا، هي الجماعة العاملة في الزراعة والصناعة والتجارة، أما الطبقة الأخيرة فلهم الحق أن يحتفظوا بالأملاك الخاصة، وأن يتخذوا لأنفسهم زوجات، وأن يكونوا أسرا على النظام المعروف، وأما الطبقتان الأوليان فيقوم عيشهم على مبادئ الاشتراكية في المال والشيوعية في النساء.
وليست الملكية الخاصة مباحة للطبقة الاقتصادية إباحة مطلقة، فيجمع الفرد ما استطاع من ثروة ومتاع، كلا، بل من واجب الحكومة أن تراقب ذلك بعين الحذر، فلا تبيح لأحد أن يتجمع لديه من الثروة أكثر من أربعة أمثال متوسط ما يملكه الرجل العادي، وإن زادت عن هذا القدر وجب عليه أن ينزل عن تلك الزيادة إلى الدولة.
وصفوة القول: أن المجتمع الكامل هو الذي تقوم فيه كل جماعة بل كل فرد بواجبه الذي أعدته له الطبيعة، فلا تتدخل فئة في عمل فئة أخرى، ويجب أن يتعاون الجميع على تكوين وحدة متماسكة كاملة متناسقة الأجزاء لا يكون بينها نشاز.
Unknown page