5
احتل بلنسية مع القشتاليين، ونهب ما حولها من الأرض حتى صيرها قفرا يبابا، وحينما ظهر لهم جليا أن ألفونسو لا يقصد إلا أن يعيد إسبانيا إلى المسيحية وأن يستأصل شأفة المسلمين.
ولكن ملوك الطوائف كانوا على الرغم من تفاقم الخطب أضعف من ذات خمار، وكانوا في يأس من توحيد كلمتهم وتواثقهم على مكافحة العدو؛ لكثرة ما بينهم من تحاسد وتنافس وغيرة؛ لذلك صاروا إلى ما ليس منه بد، وهو دعوة الغرباء إلى عونهم.
وقد رأى بعضهم ما في هذه الدعوة من الخطر المحيق، ولكن المعتمد بن عباد
6
أسكتهم بقوله: «لأن أكون سائق جمال في صحراء إفريقية، خير من أن أرعى الخنازير في قشتالة!!» ولم تكن المعونة التي التمسوها بعيدة عنهم، فقد شبت ثورة في شمال إفريقية انبثق منها مذهب متعصب جديد سمي أصحابه بالمرابطين، وقد تغلب هؤلاء المرابطون على المملكة جميعها من الجزائر إلى السنغال، وكانوا من طابع طارق وأصحابه، وكانوا على أتم أهبة لاجتياز البحر والتغلب على إسبانيا الخصيبة، وأظهروا للناس أن هذا الغزو مكرمة منهم وجهاد في سبيل الله، ولم تبدر منهم بادرة تدل على رغبتهم في الأندلس، غير أنهم نزلوا بإسبانيا، ومن الهين أن ندرك أنهم نزلوها لتكون دار إقامة.
وحينما وصل المرابطون إلى الأندلس كأرجال الجراد ليلتهموا المملكة التي قدمت نفسها لهم طعاما، كانت الطريق مذللة أمامهم، وابتهج الأندلسيون حينما رأوا فيهم ساعدا أزل مفتولا، جاء ليمحو الفوضى التي بددت هناءتهم منذ أن مات المنصور العظيم، أما ملوك الطوائف أو صغار الطغاة فمنهم من دعاهم للإقامة ببلاده، ومنهم من لم يستطع مقاومتهم فصبر على مضض، ولكنهم اغتبطوا جميعا بكبح القشتاليين وكسر شوكتهم، وعندما وصل يوسف بن تاشفين ملك المرابطين
7
إلى الأندلس، وتملك مدينة الجزيرة لتكون ميناء له وقاعدة لجنوده، اخترق الولايات بجيوشه حتى التقى بألفونسو عند الزلاقة بالقرب من بطليوس في الثالث والعشرين من أكتوبر سنة 1086م/479ه وصاح ألفونسو حينما رأى جيشه اللهام: «بمثل هؤلاء أحارب الشياطين والجن والملائكة.»
على أنه مع هذا التجأ إلى حيلة ليدهم بها أعداءه من البربر والأندلسيين على غرة، ولكن يوسف لم يكن من الهين خداعه، فأحاط في مهارة وحذق بجيش القشتاليين من الأمام والخلف، ووضعهم بين نارين، فتحطم القشتاليون وهزموا شر هزيمة على الرغم من المقاومة العنيفة وأساليب الحرب التي برع فيها هؤلاء الجنود المدربون، وفر ألفونسو - وما كاد يستطيع الفرار - بنحو خمسمائة فارس، وترك آلافا مؤلفة من خيرة جنوده في الميدان، وبعد هذا النصر المبين عاد يوسف بن تاشفين إلى إفريقية، وترك بالأندلس ثلاثة آلاف من جنوده لمعاونة الأندلسيين؛ لأنه وعد ألا يضم الأندلس إلى مملكته، وبر بهذا الوعد إلا في جزيرة طريف فإنه اختارها لنفسه.
Unknown page