وحينما فكر لذريق فيما قالاه ثارت في نفسه الرغبة في دخول هذا الحصن المسحور، على الرغم من تحذير بطارقته ووزرائه الذين قالوا له: إن كنت تظن أن فيه مالا فقدره ونحن نجمع لك من أموالنا نظيره، ولا تحدث علينا بفتحه حادثا لا نعرف عاقبته، وقد علمت أن قيصرا الأكبر على جرأته لم يحاول دخوله ...
ولن يفتح الحصن إلا لمن
قضى الله في ملكه بالزوال
ممالكه زال سلطانها
بنشر الفساد وكيد الرجال
فنالت من الله شر انتقام
وآب بنوها بشر المآل
ولكن الملك أصر وصمم على الرغم من هذه النصيحة، فركب يوما مع فرسانه إلى الحصن، وكان فوق صخرة عالية تحيط به مهاو سحيقة، وكانت حيطانه من المرمر الذي إذا واجهته الشمس كاد شعاعه يذهب بالأبصار، وكان مدخله في طريق منحوت في الصخر، وقد أغلق عليه باب عظيم من الحديد، غطي بالأقفال الصدئة من عهد هرقل إلى أيام غيطشة.
ووقف الحارسان إلى جانبي الباب، وحاول فرسان الملك وبعض الحراس فتحه، فاستطاعوا بعد لأي فك أغلاقه قبيل الغروب، ودخل الملك وحاشيته من الباب إلى بهو في نهايته باب آخر، وقف أمامه تمثال من البرنز ضخم هائل المنظر، بيده رمح عظيم أخذ يحركه ويضرب به ما حوله من الأرض.
ولما رأى لذريق هذا التمثال هاله منظره، وأخذه البهر، وتملكته الدهشة والعجب، ولكنه حينما قرأ ما كتب على صدره وهو: «إني أقوم بواجبي» استرد شجاعته، وأمر التمثال أن يفسح له الطريق زاعما أنه لم يأت لاستباحة حرمة المكان، وإنما جاء ليعرف سر ما فيه، فهدأت عندئذ ثائرة التمثال ورفع رمحه، فمر الملك ومرت حاشيته من تحته إلى حجرة ثانية، فوجدوا جدرانها مغطاة بكريم الأحجار، ورأوا في وسطها مائدة عظيمة من ذهب وفضة مكللة بالجواهر، وعليها تابوت من الفولاذ به قفل علق به مفتاحه، وقد كتب عليه: «في هذا التابوت طلسم الحصن، ولن تفتحه إلا يد ملك، ولكن ليحذر هذا الملك، فإن أشياء عجيبة ستصور له ما يحصل له قبل موته».
Unknown page