Qissat Adab Fi Calam
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
Genres
وردي كرام أصدقائي أناسا كما كانوا.»
ففعلت كما أمرتها، وأكرمت بعدئذ ضيافتنا، حتى طاب لنا المقام فمكثنا معها عاما كاملا، ولم نغادر ذلك المكان حتى زرت العالم الأسفل حيث التقيت بكثير من أعلام الرجال الذين ماتوا. وودعنا سيرس بعد أن حذرتنا مما عساه أن يصادفنا في الطريق من صعاب ومخاوف، وظللنا نقع في الخطر بعد الخطر حتى بلغنا جزيرة يأكل من عشبها ثيران الشمس، فهم أصحابي أن يذبحوها، وحقت عليهم كلمة ربها وأهلكوا، ونجوت وحدي ورسوت في جزيرة كالبسو. •••
ولما فرغ يوليسيز من قصته، أرسله ملك «فيقيا» إلى وطنه «إثاكا» بكل ما معه من هدايا في سفينة أعدها له. وها هنا نعود مع يوليسيز إلى هذا العالم الأرضي، بعد أن حلق بنا وهو يقص مغامراته في عالم الآلهة والأرواح، وكان لا بد له حين وصل إلى «إثاكا» أن يدخل بحذر شديد خشية أن يقتله خاطبو زوجته غيرة وانتقاما. ويصل يوليسيز إلى داره فلا يعرفه بادئ الأمر إلا كلبه، لكن كلبه الوفي لا يلاحقه أو يداعبه، لأنه لم يكد يعرف سيده حتى يقضي نحبه. ثم يدخل يوليسيز داره في هيئة سائل مسكين، فيقابله الخدم وخاطبو زوجته في زراية وعنف. وهكذا تشاء سخرية المقادير أن يقاتله في داره قوم لا شأن لهم بها، وما دروا أنه مرسل من القدر لينتقم.
ولما حانت ساعة الحساب، نشبت بين يوليسيز وأعدائه معركة هي أقرب إلى المذبحة منها إلى المبارزة والقتال، وأنزل يوليسيز وابنة تلماكس بالخدم الذين خانوا عهد سيدهم ضروبا من الانتقام المر، نفرت منها نفوس اليونان فيما بعد.
وأخيرا يلتقي يوليسيز بزوجته الوفية، فيضمها بين ذراعيه، وتبذل «منيرفا» وسعها لتطيل ليل اللقاء بعد أن قضى الزوجان ما قضياه من أعوام طويلة مليئة بالأحزان والصعاب. •••
ولعل الأوذيسية أن تكون بين آيات الأدب العالمي أشدها تحريكا للمشاعر والعواطف، وهي في موضوعها أقوى وأجمل من أختها الإلياذة، فهذه سلسلة من دسائس ومعارك بين الآلهة فيها كثير من التكرار المملول.
وأما سيرة يوليسيز فتعبير جميل عن دوافع الحياة البشرية ونوازعها، وهي تمس في قلب الإنسان شعوره الفطري، وتستثير منه مصادر الحيوية والنشاط.
أضف إلى ذلك أن يوليسيز في حلبة البطولة أفحل من أخيل، وانتصار يوليسيز يبعث في نفس القارئ طمأنينة لا تشوبها شائبة من قلق؛ لأن نصره نتيجة صبره وذكائه، وهو نصر أسمى منزلة من فوز يظفر به أخيل بجسمه القوي وعضلاته المفتولة. وفي أعمال يوليسيز ومغامراته تنوع سريع يستولي على قلب القارئ؛ فهو إنسان فيه الإنسانية بمعناها الصحيح، أو إن شئت فقل إنه إنسان أعلى.
فلا عجب أن يخلد شخصه بين أعلام الشخوص الأدبية في آداب العالم جميعا. وقد استوقفت شخصية يوليسير أقلام الشعراء فصوروها؛ فهذا «فرجيل»
83
Unknown page