وقتل شعب آمن
مسألة فيها نظر
والحق للقوة لا
يعطاه إلا من ظفر
ذي حالة الدنيا فكن
من شرها على حذر
فتغيرت سحنته، وقال مكررا: قتل الشعب - سلبه - ابتزاز أمواله، كلمات وإن اختلفت في اللفظ فإنها تؤدي إلى معنى واحد ليس له ظل في بلادنا، وإنما هي تكون في بلاد ارتفعت فيها أجور الفعلة ارتفاعا فاحشا، واعتاد رجال الأشغال فيها على الإضراب عن العمل أو الجنوح إلى الاعتصاب، ولا يوجد في بلادنا شيء من ذلك؛ لأن المهاجرين ينسلون إليها من كل حدب وصوب أفواجا أفواجا، وكثرة عددهم تخفض أجور الفعلة الأميركيين الذين إذا اعتصبوا بدعوى قلة الأجور يحل محلهم عن طيبة خاطر وسرور المهاجرون الذين كلما ازداد عددهم قلت أجورهم، وهم بالطبع ينفقون ما يحصلونه في البلاد التي تجني من ورائهم فوائد جمة.
قال ذلك وأبرقت أسرته وأصبح وجهه يشبه وجه شيخ وطفل مزجا معا فخرج منهما صورة واضحة ممزوجة، وقد انطلق لسانه وزاد نشاطه واستطرد الكلام، فقال: سؤالك بشأن الحكومة سؤال في غاية الأهمية، ولا تحسن حال أمة إلا إذا حسنت حالة حكومتها واتصف رجالها بالأوصاف السامية، والحكومة تحل مسائل عديدة منها أنه ينبغي أن يكون عدد سكان البلاد وافرا ليستطيعوا ابتياع البضائع التي تصدرها معاملي، وينبغي أن يكون عدد العمال في البلاد وافرا لأستطيع أن آخذ العدد اللازم لمعاملي وأطياني، وفي مثل هذه الحالة لا يكون أثر في البلاد للاشتراكيين ولا للاعتصاب، والحكومة لا ينبغي عليها أن تبهظ كاهل الرعايا بالضرائب الفادحة حتى يتوفر لدى الأمة المال وتبتاع به من معاملي، وحكومة مثل هذه هي بعرفي حكومة عادلة جيدة. ولاحت على وجهه المضحك أمارات السخافة والحماقة وازبأر كالأسد حتى خلت أن أمامي ملكا من الملوك يعتز بجبروته وسلطته، ولا غرو فهو ملك وأي ملك! ثم استطرد الكلام أيضا، وقال: وأريد من الحكومة أن تعين برواتب طفيفة عدة من الفلاسفة يعلمون الشعب في أيام الآحاد كيفية اتباع القانون والسير بموجبه؛ بحيث يستمر كل فيلسوف مدة ثماني ساعات متوالية يلقي عظاته وحكمه المؤثرة، وإذا لم يكف عدد الفلاسفة في البلاد تعهد ذلك إلى الجنود، ومتى تيسر للحكومة القيام بهذا العمل الهام وسار الشعب على محور القانون تتوفر في البلاد أسباب السعادة والصفاء.
ولما أنهى كلامه قدمت له سؤالا آخر وهو: هل أنت راض عن الحكومة الأميركية الحاضرة؟
فأبطأ في الإجابة وأطرق رأسه مفكرا ثم رفعه وقال: إن حكومتنا تعمل أقل مما هو مطلوب منها، فإنه يتحتم عليها أن تسهل سبل المهاجرة للبلاد حتى يزداد عدد المهاجرين، ولكن الحكومة تدعي بأن أميركا حرة النظامات، والمهاجرون الداخلون إليها يتمتعون بالحرية السياسية؛ ولذلك ينبغي عليهم عند دخولهم البلاد أن يدفعوا لها ثمن هذه الحرية التي لم يذوقوا طعمها في بلادهم، وفرضت على كل مهاجر أن يكون معه عند دخوله البلاد 500 دولار، وهي كما ترى محقة في صنعها هذا؛ لأن الرجل الذي يملك 500 دولار خير من صاحب الخمسين؛ بل يفضله عشر مرات، وهو على كل حال خير من المتشردين والمرضى والبائسين الذين لا ينفعون البلاد أقل منفعة، بل هم عالة على أكتافها.
Unknown page