حدث أن غنيا من ذوي الملايين أسعدته الأقدار ذات مرة بمولود جديد، فأولم لأصدقائه وليمة شائقة، ودعا إليها نخبة من الأدباء والغانيات ليزينوا الوليمة بالأدب والجمال.
فجلسوا وشربوا وأكلوا، ولما انتهوا من المائدة طفقوا يسمرون، فأراد الغني أن يملق الأدباء من جهة، ويتظاهر بميزة أخرى غير الغنى من جهة أخرى، فقال: «ليست السعادة في الغنى بل هي أكثر في الحب والعلم والأخلاق».
ولمح أحد الأدباء الشبان الدعوى في هذا الكلام فتهوعت نفسه منه، وود لو يقوم ويصفع الغني عليه، ولكنه أنأد وقال مكابرا: «لا بل كل السعادة في الغنى فقط».
فقال الغني متحذلقا، وقد أوهمه الشراب ببراعة غير مألوفة: «ما هذا؟ أتظن أنك تكون سعيدا إذا كنت غنيا، وبقيت بلا امرأة تحبها أو كتاب تقرؤه أو أنيس تحادثه؟»
فقال الشاب وكان غيظه قد دفعه إلى العنت: «أكون».
فاحتد الغني حدة مصطنعة، وقال: «كأنك تقول: إنا لو دفعنا إليك خمسين ألف جنيه، وحبسناك في سجن عشر سنوات لا ترى فيها كتابا أو امرأة أو أنسيا لرضيت إذ تكون غنيا وبذا سعيدا، فقال الشاب: «نعم».
فقال الغني مستشهدا الحضور: «أنا مستعد بأن أدفع لك خمسين ألف جنيه إذا كتبت لي عقدا بأن تبقى عشر سنوات محبوسا في غرفة، لا ترى منها رجلا أو امرأة أو كتابا».
فقام الشاب وكتب العقد.
وفي اليوم التالي أدخلوه في الغرفة وأغلقوا عليه وكانوا يناولونه الخبز من كوة صغيرة بحيث لا يرى منها أحدا.
وبقي الشاب كذلك عشر سنوات، وهو لا يرى رجلا أو امرأة أو كتابا.
Unknown page