8
فقد اجتاز قيصر شوارع المدينة وعلى رأسه أكاليل النصر، وفي ركابه عدد من الملوك أسارى مقرنين في الأصفاد، يمشون حفاة الأقدام حاسري الرءوس؛ وفي مقدمتهم «فرسنغيتور»؛ الذي قاد الثورة على رومية في بلاد الغال.
ومن حول مركبته؛ وقد كتبت عليها العبارة المعروفة: «أتيت فرأيت فغزوت»
9
Veni, vidi, vici ، التف شعب رومية يحيي بطله العظيم بحماسة الأطفال، أخذهم الفرح بعودة أبيهم الشفيق المحبوب، بعد طول الغيبة.
غير أن الأرستوقراطيين لم يرقهم ما رأوا، ولم تحفل قلوبهم بتلك الهزات المرحة التي حركت الجماهير، ولكن قيصر لم يأبه بهم، ذلك بأنه مع الشعب وإلى الشعب ومن الشعب وبالشعب، كان ديمقراطيا خالص العقيدة في الديمقراطية، بدأ حياته بطلب إصلاح حال الجماهير، وترقية مستواهم الاجتماعي، بيد أنه كان يعلم ما في الجماهير من قدرة على التحول والانقلاب من حال إلى حال، والانتقال من أحد طرفي النقيض إلى الطرف الآخر، فلم يمعن في إغضاب الأرستوقراطيين، ولم يفرط في إظهار ميوله الشعبية، إفراط الحمقى من الزعماء.
لقد علم، وعلم يحق، أن المنطق والعقل، لن يكونا أشد خسرانا وضيعة، منهما إذا هما انزلقا ليخاطبا الجماهير؛ فأخذهم بأنواع المسرات، وضروب اللهو، فأمر بأن تقام الزينة، وأن تمد الموائد، وتقام معالم الأفراح في أنحاء رومية.
كذلك قد علم ما في البر بشعب فقير من أثر يملك الأرواح والعقول والخواطر؛ فأمر بالميرة والغلال والزيوت والخمور، فوزعت على الفقراء بغير حساب.
وأقيمت في الملاعب حفلات عظيمة، حتى لقد غصت على رحابتها بالخلائق، ينظرون في تشوق إلى عراك المجالدين، ويمتعون أنظارهم بمرأى الدماء المهراقة من الأجسام البشرية ومن الحيوانات، ويرقبون كيف تفارق الأرواح الأبدان.
وظلت الزينة أربعين يوما متوالية، فكنت لا تسمع من كلمة يذكر بها روماني، اللهم إلا اسم «قيصر» وحده، منعوتا بأنه «العظيم النابه»، أو «القاهر»، أو «الأب المحبوب لرومية العظمى».
Unknown page