Qaysar Asfar
القيصر الأصفر: ومسرحيات أخرى شرقية
Genres
ألم يساعدك على إطفاء الحريق؟
رجل :
ولولاه ما فكرت في البقاء في هذه البلدة لحظة واحدة. كنت أجلس وسط الأنقاض.
الرجل الأول :
الأفضل أن تجلس الآن وسط المسرح.
رجل (ينتقل إلى وسط الحلقة) :
نعم نعم. تصوروا رجلا أتت النار على بيته وفرشه، ووقف أمامه وهو يضم أولاده وزوجته المذكورة إلى صدره. كنا قد فقدنا كل شيء؛ الملابس والأثاث، والمأوى والأمل. وكان الجيران قد انصرفوا بعد أن شاركوا في إطفاء الحريق وتخفيف دموع الصغار. وبقينا وحدنا أمام عمر محترق وغد من رماد. وقبل أن يسلم الليل بالهزيمة، ويسكن الدخان المتصاعد من حطام النوافذ والجدران والأبواب؛ وجدناه يقف أمامنا وفي يده مصباح صغير. نظر إلينا ووضع المصباح على الأرض، وجاءنا صوته كنداء روح بعيدة عن أرواح الأسلاف: قم يا رجل، ألا تعرف أن بدايتك في نهايتك؟! قلت: سيدي. انظر إلى الحطام من حولك. قال وهو يشدني من يدي: ومن حطامك يرتفع بيتك الجديد. أشرت إلى الركام الذي تتوهج فيه الجمرات كعيون القطط الغاضبة، فقال: احترق بيتك ولكنك أنت لم تحترق. تفحمت أبوابه ونوافذه، ولكن فيك جوهرة لا تتفحم. تأملت وجهه الذي تحاشيت النظر إليه وبدأت أفكر فيما قاله، ولم يترك لي الزوار وقتا للتفكير؛ فقد فوجئت بأهل البلدة يتوافدون واحدا بعد الآخر. لم يكن هناك باب يطرقونه. وجدتهم أمامي كأنهم على موعد واحد؛ النجار العجوز ومعه عربة عليها ألواح الخشب والقادوم والمنشار وصبي صغير. فلاحون يحملون فئوسهم وسلالهم ويشرعون في رفع الرماد والأحجار وشظايا الخشب وأسياخ الحديد. عمال يسوون الأرض ويخطون العلامات ويثبتون الألواح والمسامير وينجرون ويطرقون ويتحركون كالأشباح في حلم غريب. وأنا أتحرك معهم، وزوجتي وأولادي يناولون وينحنون ويقومون ويسألون ويجيبون. والجميع يعملون كأن كل واحد نغمة تذوب في لحن كبير. ما الذي أيقظهم في هذه الساعة من الليل؟! لقد شارك بعضهم في إطفاء الحريق وتجفيف الدموع ثم انصرفوا إلى بيوتهم، ولم يتأخر بعض الجيران من إحضار ما استطاعوا إحضاره من طعام أو غطاء أو ماء. أما أن يأتوا الآن ليزيلوا الأنقاض ويرفعوا البناء، ولا يتركوني وأولادي حتى يغلقوا وراءهم الباب على بيت جديد؛ فذلك شيء لا يحدث إلا على أيدي السحرة، أو في حكايات الأطفال. وطالت حيرتي أمام اللغز العجيب؛ كيف تحولت البلدة إلى رجل واحد، وتحول العالم إلى بلدة واحدة؟ كيف تعلم الجار ألا يغلق عليه بابه وجاره جائع أو عطشان مريض أو محزون؟ وما زلت أسأل نفسي إلى اليوم: هل طرق المعلم في تلك الليلة كل الأبواب؟ هل أحس أحد أنه جاء إلي وبدأ يزيل الحطام في صمت فنبه النائمين؟ لا أدري. لا أدري.
امرأة (ترفع صوتها) :
حتى الحطام، شارك في رفع الحطام.
الرجل :
Unknown page