150

Qawāʿid al-aḥkām fī maṣāliḥ al-anām

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Publisher

مكتبة الكليات الأزهرية

Publisher Location

القاهرة

وَإِذَا أَحَسَّ الْإِمَامُ بِدَاخِلٍ وَهُوَ رَاكِعٌ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْتَظِرَهُ لِيُنِيلَهُ فَضِيلَةَ إدْرَاكِ الرُّكُوعِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ شِرْكًا وَلَا رِيَاءً، لِأَنَّهُ ﵇ جَعَلَ مِثْلَهُ صَدَقَةً وَاتِّجَارًا، وَأَمَرَ بِهِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، فَكَيْفَ يَكُونُ رِيَاءً وَشِرْكًا وَهَذَا شَأْنُهُ فِي الشَّرِيعَةِ؟ وَلَا وَجْهَ لِكَرَاهِيَةِ ذَلِكَ، وَمَنْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِهِ فَقَدْ أَبْعَدَ، فَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَقُولُ فِي الِانْتِظَارِ الْمَشْرُوعِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ هَلْ كَانَ شِرْكًا وَرِيَاءً، أَوْ عَمَلًا صَالِحًا لِلَّهِ تَعَالَى؟
[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ فَضْلِ الْإِسْرَارِ وَالْإِعْلَانِ بِالطَّاعَاتِ]
إنْ قِيلَ: هَلْ الْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِعْلَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ اجْتِنَابِ الرِّيَاءِ أَمْ لَا؟ فَالْجَوَابُ: إنَّ الطَّاعَاتِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا مَا شُرِعَ مَجْهُورًا بِهِ كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّكْبِيرِ، وَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْخُطَبِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ وَالْأَعْيَادِ، وَالْجِهَادِ، وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَتَشْيِيعِ الْأَمْوَاتِ، فَهَذَا لَا يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ. فَإِنْ خَافَ فَاعِلُهُ الرِّيَاءَ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي دَفْعِهِ إلَى أَنْ تَحْضُرَهُ نِيَّةُ إخْلَاصِهِ، فَيَأْتِي بِهِ مُخْلِصًا كَمَا شُرِعَ، فَيَحْصُلُ عَلَى أَجْرِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَعَلَى أَجْرِ الْمُجَاهِدِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَعَدِّيَةِ.
الثَّانِي: مَا يَكُونُ إسْرَارُهُ خَيْرًا مِنْ إعْلَانِهِ كَإِسْرَارِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ. وَإِسْرَارِ أَذْكَارِهَا، فَهَذَا إسْرَارُهُ خَيْرٌ مِنْ إعْلَانِهِ.
الثَّالِثُ: مَا يُخْفَى تَارَةً وَيُظْهَرُ أُخْرَى كَالصَّدَقَاتِ، فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الرِّيَاءَ أَوْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِ، كَانَ الْإِخْفَاءُ أَفْضَلَ مِنْ الْإِبْدَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١]، وَمَنْ أَمِنَ الرِّيَاءَ فَلَهُ حَالَانِ:

1 / 152