185

Qawaʿid fi al-suluk ila Al-lah taʿala

قواعد في السلوك الى الله تعالى

Genres

والأزمنة والأوقات في حقه؛ فإنه يرى الكل مفرقا عما يطلبه، صادا عما هو بصدده، فهو يداريهم ويداري وقته جمعا بين المصالح، فتارة تغلبه تلك العوارض حتى تستولي عليه وتنسيه ذكر الله تعالى، فينفعل لها، فيبقى بارد القلب، جامد الخاطر، قد انحرف عن دائرة السالكين، ثم يقويه الله تعالى بمشيئته ومعونته على مقاواتها والعود إلى حالته التي يحبها الله منه ويرضاها.

وهو متفرق - أيضا - من إبطاء وقت البوارق: فتارة يلوح له قمر الإيمان حتى يتوهم أنه قط لا يتوارى عنه، فيعيش في تلك البهجة والنور زمنا ما أطيبه وما أحلاه!

وتارة يمر على قلبه غيوم الطبيعة وغانها، فتحجبه عن ذلك حتى كأنه لم يعرف ربه، ولا وجد رائحة أنسه، ولا ذوق معرفته وقربه.

وتارة تبرد ناره، ويعكف على حظوظه، كأنه يطلب أمرا غير ذلك.

فمن وفقه الله تعالى حتى دامت همته الجاذبة له إلى مرضاة ربه في تحصيل العلوم والأعمال والأحوال، ثم حصل له من العلوم ما يمكن مثله أن يعبد الله به في الأمر الظاهر والباطن من علوم الأحكام وعلوم المقامات والأحوال، ثم ألان الله تعالى له جوارحه وطبعه كما ألان الحديد لداود عليه السلام، فيبقى عمل الحق واعتقاده طبيعة فيه خارجة عن مراد الحق ولا خارجة عن أمره ، ولا مائلة إلى معصيته ومكروهاته ، ثم فتح على قلبه لائحة من شمس المعرفة الجاذبة لقلبه إلى محبة ربه ، بحيث لا يتوارى عنه لمحة ولا طرفة، كيف

Page 207