رعاية الشعراء
نحتقر الآن فكرة التكسب بالشعر عن طريق المدائح الصناعية للملوك والولاة والأغنياء، ولا نقبل من شعر المديح إلا ما تمليه العاطفة والفكرة السامية، وقد نعيب حتى على مثل المتنبي اتصاله بسيف الدولة فضلا عن اتصاله بكافور ثم انقلابه على كافور وهجائه إياه أقبح الهجو، ولكن من الإنصاف لشعراء العربية المتقدمين أن نشير إلى أن زمانهم غير زماننا، وأن معاييرهم الخلقية غير معاييرنا، وأنهم لم يكونوا وحدهم الذين يتلمسون السادة الأنصار لحماية أدبهم وصيانة رزقهم، فالمعروف أن معظم الشعراء الإنجليز مدينون بإنتاجهم الممتاز لمثل ذلك التشجيع والحماية، فهذا شكسبير نفسه لم ينل أي حظوة لدى القصر إلا بفضل وساطة إيرل سوثامبتون الذي كان يرعاه وقد أهدى إليه شكسبير فيما بعد ما أهدى من أشعاره في أسلوب نعتبره الآن منتهى الغلو في التقدير، وحتى بعد العهد الإليصاباتي بزمن طويل بقيت هذه العادة ملازمة للشعراء والأدباء، مثال ذلك جيمس طومسون (1700-1748م) الذي نظم (الفصول) فقد كان يواجه المجاعة في مدينة لندن لولا أن أنقذه منها «لورد نبيل»، ولم ينل على قصيدته (الشتاء) - وهي الجزء الأول من كتابه الشعري المومى إليه - ثمنا لحق الطبع غير ثلاثة جنيهات وثلاثة شلنات، ولكن اللورد وذنجتون الذي أهدى إليه الديوان نفحه بواحد وعشرين جنيها فحقق تأميله فيه.
وكم سعى دريدن عبثا للحصول على رعاية السير تشارلس بكرنج (وكان ابن عم لأوليفر كرومويل)، وأخيرا نجح في الحصول على رعاية إيرل بركشير الذي كان له نفوذ عظيم في عالم الأدب، وبلغ من نجاحه أنه تزوج من ابنة الإيرل أخيرا.
وكان لحسن تقدير السير وليم تيرنبل الأثر الطيب في نفس الشاعر بوب فشجعه على طبع ديوانه، وكذلك كان للسيد والش هذا الأثر الطيب في نفس الشاعر وكان السير تيرنبل سياسيا ممتازا، كما كان السيد والش من أصحاب الأراضي البارزين، وكان والش يوجه إلى بوب مثل هذا التقدير: «إني لا أعرف أحدا له مثل ما لك من الأهلية لمضارعة ملتون! وليس من التملق مطلقا أن أقول إن فرجيل لم ينظم شيئا بمثل هذه الإجادة في سنه.» ولكن هذا التشجيع برغم قيمته لم يكن لينفع الشاعر مثلما كانت تنفعه المعاونات المادية.
وكانت الخطوة الأولى التي خطاها جوزيف أديسون نحو الشهرة والحظ رعاية اللورد جودولفين له على أثر إعجابه بقصيدته عن «معركة بلنهايم» فعرض عليه منصبا حكوميا وأخيرا بلغ أديسون منصب الوزارة.
ولولا مساعدة بيرك السخية للشاعر كراب لما كان له مآل غير الانتحار، فقد وفد على لندن لا يملك غير ثلاثة جنيهات وحزمة من المخطوطات فلاقى المجاعة وجها لوجه، ولم ينقذ أدبه سوى أريحية بيرك.
فلا عجب بعد كل هذا إذا تدفق أولئك الأدباء النابغون البائسون وأمثالهم بعبارات الثناء المنمقة بل بعبارات العبودية لمن يدينون لهم بحياتهم وحياة أدبهم، وليس من الإنصاف أن نؤاخذهم بل علينا أن نؤاخذ بيئاتهم الجامدة.
كذلك كان شأن أدباء العرب بل شأن نفر غير ضئيل من أدبائنا النابهين أمثال: محمد حافظ إبراهيم ومحمد السباعي ومحمد إمام العبد، فإن شكواهم الصارخة من الجمهور شكوى صادقة محقة، وليس لنا أن نلومهم أقل اللوم بل علينا أن نلوم أنفسنا، وسيأتي يوم تقدر فيه الأمة فضل هؤلاء الأدباء النابهين، ولكن أرجو أن لا يكون ذلك بعد زمنهم، فقد وجد أدباء الإنجليز من ينصفهم ذلك الإنصاف في القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر فأحرى بنا أن لا نخذل أدباءنا في القرن العشرين.
التربية الوطنية
ليس أهم عناصر التربية الوطنية المصرية أن نعلم حدود وطننا ومجمل تاريخه، وكيف نحكم الآن، وما هو مجلس الشورى وما هي الجمعية العمومية، وما هو نظام الإدارة والتعليم والفلاحة في بلادنا، وما إلى ذلك من المعارف القومية التي تربطنا بالماضي والحاضر والمستقبل، وإنما أهمها في نظري أن ندرك أن المصريين جميعا شعب واحد هو الشعب القبطي أي المصري، فليست كلمة «قبطي » إلا ترجمة كلمة
Unknown page