وفني زاده، وتفرق جنده، فما له راحلة يركبها، وكان يطلب عرش دولة ومد يده إلى من يعرف من أهل الموصل يسألهم عونا من أموالهم، وكان فيهم صاحب العرش والخزانة.
وأقام شهرا بالموصل على ضيق العيش وذل المسألة وسقوط المروءة، ثم انحدر إلى بغداد يطلب جوار أبي أحمد الموفق.
وأقام إسحاق أميرا على الموصل والجزيرة جميعا. •••
قال أبو بكر القرشي ابن أبي ليلى مؤدب الأمراء وصاحب الفقه والحديث والخبر: والله لقد ورد علي من ذلك يا أبا أحمد ما لا صبر عليه، فما يهون علي أن يصير إلى ذلك أمر ولدك أبي العباس، فتحبسه وتوكل به وتفرده من أهله وصحابته لا يلقى أحدا منهم ولا يلقاه أحد، وما أراه قد ركب في أمرك وأمر الدولة ما يستوجب ذلك كله أو بعضه، فإنما هو شاب اجتهد لصلاح الدولة فأخطأه الرأي، وإنك يا أبا أحمد لأرحب ذرعا.
71
قال أبو أحمد الموفق وقد غلبه حنان الأبوة: «حسبك يا أبا بكر، أفتراه هينا علي؟ إنما هي سياسة الدولة، وقد يظن هذا الغلام أنه مستطيع ببضعة آلاف من غلمانه أن يفرغ من أمر الطولونية، وما أراه إلا ناسيا ما كان من أمره وأمر خمارويه منذ قريب، أو لا، ولكنه في سبيل طلب الثأر قد غفل عن التدبير، إن خمارويه ليملك من أمر نفسه ما لا نملك من أمر أنفسنا، وإنه ليستطيع ببعض ما في يديه أن يشتري جيش العباسية كله، فماذا تغني القوة والعدد الجم؟ وإن خمارويه لشاب في يده المال والجاه، وفي دمه إرث من طباع الأعاجم، فلعله لو كان فارغا من مشاغل الجهاد أن تهلكه البطالة والشباب والغنى، أو يهلكه السرف وانتهاب اللذات، فنأتيه يومئذ بلا جهد، أما بالحرب فهيهات!»
قال ابن أبي ليلى: «وي! وترى الأمر خافيا علي كما خفي على ولدك أبي العباس، فما هذه الجيوش التي تسير عن أمرك لقتاله حينا بعد حين، فلا تزال معه في إقبال وإدبار، من الرقة إلى الموصل، ومن الموصل إلى الرقة؟»
قال الموفق: «تعني جند ابن أبي الساج وصاحبه؟ لقد أبعدت يا أبا بكر، فوالله ما ظننت يوما أنني بالغ من الطولونية شيئا بواحد من الرجلين، وإنني لأعلم علم اليقين ماذا يريدان من هذه الحرب، إنما بلاؤهما يا أبا بكر من أجل ما يطمعان فيه من الإمارة والسلطان لا من أجل الدولة، وقد رأيت عاقبة أمرهما.»
قال ابن أبي ليلى: ولكنك لا تزال توليهما من برك وتأييدك، حتى لقد أيقن الناس أنك صاحب أمرهما وبعينك ما يصنعان.
72
Unknown page