وراح ابن طولون يدبر لأمره ثانية ما يدبر ...
ومثل بين يديه وفد من أهل مصر، يشكون إليه سوء ما يلقون من عامل الخراج، ورآها الأمير فرصة سانحة لما يرجوه من أمر، وتدانى إليه الأمل فقال وفي صوته رقة: «وددت لو كان الأمر إلي، إذن لأبطلت عنكم كثيرا مما تحملون من المغارم.»
قال محمد بن هلال المصري، وكان رجلا له فيهم خطر ومكانة: «فإن الأمر إليك يا مولاي، لو شئت لكان، وإنما أنت الراعي ونحن الرعية، فأين منا من نفزع إليه
29
غيرك؟»
ولمعت عينا أحمد بن طولون، واسترعاه حديث ابن هلال،
30
فبسط له وجهه وأدناه، وقال في صوت خافت كأنما يتحدث به إلى نفسه، وإن حديثه ليبلغ آذان الوفد جميعا: «نعم، كيف يلي رجل من سامرا خراج مصر؟
31
هلا كان ذلك إلى مصري يعرف من حال قومه وحاجتهم، ما لا يطلع عليه الغريب.»
Unknown page