وفي نشوة غامرة راح جسد أحمد عبد الجواد يرقص مع النغمة، رافعا الكأس التي لم يبق فيها إلا الثمالة أمام عينيه، ناظرا خلالها إلى المرأة كأنما يروم أن يراها بمنظار خمري. وبرح الخفاء إن كان ثمة خفاء، ووضح أن كل شيء - بين أحمد وزبيدة - قد عاد إلى قديمه، ورددوا الغناء وراء زبيدة، فعلا صوت أحمد في طرب وسرور حتى ختمت الأغنية بالتهليل والتصفيق. وما لبث محمد عفت أن قال لجليلة: لمناسبة «الصب تفضحه عيونه» ما رأيك في أم كلثوم؟
فقالت جليلة: صوتها - والشهادة لله - جميل، غير أنها كثيرا ما تصرصع كالأطفال. - البعض يقولون: إنها ستكون خليفة منيرة المهدية، ومنهم من يقول بأن صوتها أعجب من صوت منيرة نفسها.
فهتفت جليلة: كلام فارغ! أين هذه الصرصعة من بحة منيرة؟
وقالت زبيدة بازدراء: في صوتها شيء يذكر بالمقرئين، كأنها مطربة بعمامة!
فقال أحمد عبد الجواد: لم أستطعمها، ولكن ما أكثر الذين يهيمون بها، والحق أن دولة الصوت زالت بموت سي عبده.
فقال محمد عفت مداعبا: أنت رجل رجعي، تتعلق دائما بالماضي. (ثم وهو يغمز بعينيه) ألست تصر على حكم بيتك بالحديد والنار حتى في عهد الديموقراطية والبرلمان؟
السيد ساخرا: الديموقراطية للشعب لا للأسرة.
علي عبد الرحيم جادا: أتظن أنه يمكن التحكم بالطريقة القديمة في شبان اليوم؟ هؤلاء الشبان الذين اعتادوا القيام بالمظاهرات والوقوف في وجه الجنود؟
فقال إبراهيم الفار: لا أدري عما تتكلم، ولكنني متفق في الرأي مع أحمد، كلانا أب لذكور، والله المستعان.
محمد عفت مداعبا: كلاكما متحمس للحكم الديمقراطي باللسان، ولكنكما مستبدان في بيتكما!
Unknown page