174

لوح لها بيده غاضبا فأسكتها، ثم هتف: جئت كي أقول لك: إن الزواج من واحدة مثلك خزي لا يليق بكرامتي، وأنه لا يصلح أكثر من أن يكون دعابة يتندر بها هواة الدعابات المخجلة، وأنه ما دامت أمثال هذه الأفكار تدور برأسك فأنت لم تعودي أهلا لمعاشرتي؛ إذ لا يصح أن أعاشر المجانين.

كانت تصغي إليه وشرر الغضب يتطاير من حدقتيها، بيد أنها لم تستسلم لتيار الغضب كما تمنى، ولعل منظر غضبه بث في حناياها خوفا وتقديرا للعواقب، فقالت بلهجة أخف من السابقة: لن أتزوجك بالقوة، لقد كاشفتك بما يجول بخاطري تاركة لك الخيار، الآن تريد أن تتحلل من وعدك، لك ما تشاء، ولا داعي لسبي وإهانتي، ليذهب كل منا إلى حال سبيله في سلام.

أهذا قصارى جهدها في الحرص عليك؟! ألم تكن تكون أسعد حالا لو - في سبيل امتلاكك - أنشبت فيك الأظافر؟ استمد من ألمك غضبا: سيذهب كل منا إلى حال سبيله، غير أني أردت أن أصارحك برأيي فيك قبل أن أذهب، لا أنكر أني سعيت إليك بنفسي، ربما لأن النفس تولع أحيانا بالقاذورات، فهجرت من كنت تسعدين بخدمتهن كي أرفعك إلى هذه الحياة؛ لذلك لا أدهش لأني لم أحظ عندك بما حظيت به عندهن من الحب والتقدير، ذلك أن القذر لا يقدر إلا من كان على شاكلته، وقد آن لي أن أربأ بنفسي عنك، وأن أعود إلى حظيرتي الأولى.

بدا في وجهها القهر، قهر من يحجزه الخوف عن التنفيس عن صدره المستعر، وتمتمت بصوت مرتعش النبرات: مع السلامة، اذهب ودعني في سلام.

قال بحنق وهو يكظم آلامه: لقد نزلت فهنت.

هنا أفلت الزمام، فصاحت به: حسبك، كفاية، ارحم الحشرة القذرة واحذرها، اذكر كيف كنت تقبل يدها والخشوع في عينيك، نزلت فهنت؟ ... هه؟ ... الحق أنك كبرت، قبلتك على كبر، وها أنا أتلقى الجزاء.

لوح بعصاه وهو يصيح بغضب: اخرسي يا بنت الكلب، اخرسي يا دون، لمي ثيابك وغادري العوامة.

فصاحت بدورها وهي ترفع رأسها في تشنج: املأ أذنيك بما أقول، كلمة أخرى أملأ عليك العوامة والنيل والطريق صواتا حتى تحضر الحكمدارية كلها، سامع؟ ... لست لقمة سائغة، أنا زنوبة والأجر على الله، اذهب أنت، هذه العوامة عوامتي، وعقد إيجارها باسمي، فاذهب بالسلامة قبل أن تذهب في زفة.

لبث قليلا كالمتردد ينظر إليها باحتقار وازدراء، ولكنه عدل عن مغامرة قاسية تفاديا من الفضيحة، ثم بصق على الأرض، ومضى إلى الخارج في خطوات واسعة ثابتة.

30

Unknown page