140

22

رقيت الجماعة في السلم عائدة إلى مساكنها عقب رحيل السيد أحمد عبد الجواد. كانت خديجة تتقدم القافلة بوجه مربد تعلوه صفرة الغضب والحنق، وكان الآخرون يشعرون بأن الصفاء لم يزل أبعد ما يكون عن القلوب، فأشفقوا مما سيتمخض عنه صمت خديجة. لذلك صحب خليل وعائشة خديجة وإبراهيم إلى شقتهما، رغم أن زياط نعيمة وعثمان ومحمد كان حريا بأن يعيدهما إلى شقتهما فورا. ولما عادوا إلى مجلسهم بالصالة قال خليل - وهو بسبيل جس النبض - مخاطبا أخاه: كانت كلمتك الختامية حاسمة فأتت بخير النتائج.

فتكلمت خديجة لأول مرة قائلة بانفعال: أتت بالصلح أليس كذلك؟ هي السبب فيما نزل بي من مذلة لم أتعرض لمثلها من قبل.

فتساءل إبراهيم كالمستنكر: لا مذلة في أن تقبلي يد أمي أو تستصفحيها.

فقالت دون مبالاة: إنها أمك أنت، ولكنها عدوتي أنا، ما كنت لأدعوها نينة لولا أمر بابا، أجل فما هي إلا نينة بأمر بابا، وبأمر بابا وحده!

مال إبراهيم إلى مسند الكنبة وهو يتنهد يائسا. وكانت عائشة قلقة ولا تدري أي أثر تركه امتناعها عن الشهادة في نفس أختها، وزاد من قلقها تجنب خديجة النظر إليها، صممت على محادثتها لتحملها على معالنتها بحقيقة مشاعرها، فقالت برقة: ليس في الأمر مذلة وقد تصافيتما، ويجب ألا تذكري إلا حسن الختام.

فتصلب جذع خديجة ورمقتها بنظرة غاضبة، ثم قالت بحدة: لا تكلميني يا عائشة، أنت آخر شخص في الدنيا يحق له أن يكلمني.

فتظاهرت عائشة بالدهش، وتساءلت وهي تقلب عينيها بين إبراهيم وخليل: أنا؟ لماذا لا سمح الله؟

فقالت بصوت كالرصاص برودة وحدة: لأنك خنتني وشهدت بصمتك علي، لأنك آثرت إرضاء الأخرى على مظاهرة أختك، هذه هي الخيانة بعينها! - أمرك عجيب يا خديجة! ... كل واحد يعلم بأن الصمت كان في صالحك.

فقالت بنفس اللهجة أو أشد: لو راعيت صالحي حقا لشهدت لي بالحق أو بالباطل لا يهم، ولكنك آثرت التي تطعمك على أختك، لا تكلميني، ولا كلمة واحدة، لنا أم يكون عندها الكلام.

Unknown page