وكان الأخوان طيبريوس وجايوس جراشي
Gracchi
قد استنفدا الحيل في إقناع العلية وأعضاء مجلس الشيوخ بإعادة توزيع الأرض العامة لزيادة عدد الملاك الصغار، واستصدر أولهما من مجلس الشيوخ قرارا بالحد الأقصى للأرض الزراعية العامة، فجعله ثلثمائة فدان (سنة 133ق.م) ثم جاء أخوه فأراد أن يتوسع في تعميم الحقوق السياسية وأنشأ طائفة من المشترعين دون طائفة الشيوخ وكل إليها الحق في محاسبة الولاة السابقين ومن إليهم من رجال الدولة، وكانت هذه المنازعات على الحقوق السياسية والحقوق المدنية بداءة الانقسام بين طوائف العلية من سادة المجتمع الروماني القديم، واتفق هذا في الوقت الذي تتابعت فيه غارات البرابرة الشماليين على تخوم الدولة، فكان عجز الحاميات العسكرية عن صد المغيرين حجة مقنعة سوغت للقائد جايوس ماريوس أن ينظم الجيش بقيادته ويستغل سمعته في الحروب الأفريقية للاستئثار بالسلطة في حروب الدفاع عن تخوم الشمال، وجر هذا الاستئثار إلى انقسام الدولة بين جيش الوطن بقيادته، وجيش الولايات المتحدة بقيادة كرنيلوس سولا، ووقعت بين الفريقين معارك عنيفة لم تنحسم قبل انقضاء سنوات في القلاقل والفتن والأزمات، خرج منها «سولا» منتصرا على ماريوس حوالي سنة احدى وثمانين قبل الميلاد فدانت له الدولة بالطاعة حوالي سنتين، ولم تنقض شهور على موت سولا (سنة 78ق.م) حتى تجددت المساعي الحثيثة التي تتجه من كل جانب إلى هدم النظم الجمهورية، وإقامة السلطان المطلق بزعامة هذا أو ذاك من القادة المتنافسين، وفي هذه الفترة نشبت ثورة سبارتاكوس، فوجدت لها أشياعا من أشتات الأسرى الذين جاءت بهم حروب الرومان في تراقية - وطن سبارتاكوس - وبلاد الغال وسائر أرجاء الدولة الواسعة، وكان منهم أناس لحقوا بالجيش وتدربوا فيه على الأعمال الحربية، وأناس آخرون من رعاة الجنوب في إيطاليا ممن كانوا يحملون السلاح لحماية قطعانهم
Latifundia
ويشتبكون في حروب كحروب العصابات كلما ضعف سلطان الحكومة القائمة، فانقاد - لسبارتاكوس - جيش كبير من المقاتلة والمصارعين بعضهم من الأرقاء، وبعضهم من الشذاذ النافرين، وتمكن من الانتصار على جيش الدولة بقليل من العناء (73ق.م) ثم هزم الجيوش التي جردت لقتاله بقيادة القناصل والولاة في بلاد الغال، واستشرى خطبه حتى كاد أن يحكم البلاد الإيطالية فيما وراء العاصمة، ولم تقدر عليه الحكومة بجيوشها التي تخلفت من أيام النزاع، وانقسام الولاء بين القادة، حتى تصدى للأمر رجل من رجال «سولا» الكفاة هو القائد كراسوس، فجند لقتاله جيشا جديدا تولى تدريبه وتنظيمه على يديه، ودارت الدائرة على سبارتاكوس في معركة أبوليا
Apulia (71ق.م) وقد كاد أن يفلت بفلول جيشه على أسطول من السفن الصغيرة عند مسينا. ثم تبين أن الثائرين لم يكونوا جميعا من الأرقاء المملوكين لسادة معروفين، وأحصي منهم نحو ستة آلاف لم يعرف لهم سادة يملكونهم، ولم تكن لأكثرهم سابقة في الرق، وإنما كانوا مع طائفة من الفلول الهاربين ثوارا على الظلم والخلل، وطلابا للحرية والحقوق الإنسانية.
والمعروف عن ثورة صاحب الزنج في الدولة العباسية أكثر مما عرف عن ثورة الأرقاء في الدولة الرومانية؛ لأنها حدثت في عهد تاريخي وافر المراجع والمآخذ قريب بالنسبة إلينا في أحواله وأوقاته، ومصادر دعوته ودعواه، وقد كانت الدعوة والدعوى معا كأوهن ما تكون الدعوات والدعاوى من السخف والتضليل، ولكنهما فعلتا فعلهما المعهود مع ضعف الدولة واحتشاد الثوار في مكان واحد وسهولة انتحال الحجة التي يستند إليها الثائر على الدولة القائمة في أعنف أوقات النزاع بين العباسيين أصحاب السلطان، والعلويين أصحاب الحق في عقيدة الأكثرين من أبناء الإقليم وما جاوره من الإقليم، ورواية أخبار هذه الثورة من وجهة نظر غربية أدنى إلى التناسق مع أخبار الثورات من قبيلها في تاريخ اليونان والرومان، ولهذا نرويها هنا كما لخصها «سير وليان موير»
Muir
في كتابه عن تاريخ اضمحلال الخلافة إذ يقول من أخبار سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة (869م) ما يلي:
إن فتنة الزنج أشاعت الذعر والفتك من حولها خمس عشرة سنة، وكان زعيمها فارسيا انتحل النسب إلى علي بن أبي طالب، فكان يدعو أول الأمر بهذه الصفة إلى بعض الآداب الروحية، ثم ما عتم أن كشف عن خبيئته فإذا هو متمرد منتفض يسري عليه لقب الخبيث، وكان يحوم في شبه الجزيرة العربية قبل ذلك على غير طائل، ثم رفع راية العصيان، ونادى بالحرية لجميع المستعبدين ووعدهم بما لا حد له من الأسلاب والغنائم إذا التفوا برايته، واتخذ له شعارا آية من القرآن كتبها على الراية تبطل الرق وتلغيه
Unknown page