al-Qanun fi al-tibb

Ibn Sina d. 428 AH
107

al-Qanun fi al-tibb

القانون في الطب

Investigator

وضع حواشيه محمد أمين الضناوي

الرّبيع منتقلة من الْبرد إِلَى الحرّ متعودة للبرد وَفِي الخريف بالضدّ وعَلى أَن الخريف مُتَوَجّه إِلَى الشتَاء وَالربيع مُسَافر عَنهُ. وَاعْلَم أَن اخْتِلَاف الْفُصُول قد يثير فِي كل إقليم ضربا من الْأَمْرَاض وَيجب على الطَّبِيب أَن يتعرف ذَلِك فِي كل إقليم حَتَّى يكون الِاحْتِرَاز والتقدم بِالتَّدْبِيرِ مَبْنِيا عَلَيْهِ وَقد يشبه الْيَوْم الْوَاحِد أَيْضا بعض الْفُصُول دون بعض فَمن الْأَيَّام مَا هُوَ شتوي وَمِنْهَا مَا هُوَ صَيْفِي وَمِنْهَا مَا هُوَ خريفي يسخن ويبرد فِي يَوْم وَاحِد (الْفَصْل الرَّابِع أَحْكَام الْفُصُول) وتعابيرها كل فصل يُوَافق من بِهِ مزاج صحي مُنَاسِب لَهُ وَيُخَالف من بِهِ سوء مزاج غير مُنَاسِب لَهُ إِلَّا إِذا عرض خُرُوج عَن الِاعْتِدَال جدا فيخالف الْمُنَاسب وَغير الْمُنَاسب بِمَا يضعف من الْقُوَّة وَأَيْضًا فَإِن كل فصل يُوَافق المزاج العرضي المضاد لَهُ وَإِذا خرج فصلان عَن طبعهما وَكَانَ مَعَ ذَلِك خروجهما متضادًا ثمَّ لم يَقع إفراط متماد مثل أَن يكون الشتَاء كَانَ جنوبيًا فورد عَلَيْهِ ربيع شمَالي كَانَ لُحُوق الثَّانِي بِالْأولِ مُوَافقا للأبدان معدلًا لَهَا فَإِن الرّبيع يتدارك جِنَايَة الشتَاء. وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الشتَاء يَابسا جدا وَالربيع رطبا جدا فَإِن الرّبيع يعدل بيبس الشتَاء. وَمَا لم تُفْرِط الرُّطُوبَة وَلم يطلّ الزَّمَان لم يتغيّر فعله عَن الإعتدال إِلَى الترطيب الضار. تغيّر الزَّمَان فِي فصل وَاحِد أقل جلبًا للوباء من تغيره فِي فُصُول كَثِيرَة تغيّرًا جالبًا للوباء لَيْسَ تغير امتداد كَالْمَاءِ يجنيه التغيّر الأول على مَا وَصفنَا. وَأولى أمزجة الْهَوَاء بِأَن يَسْتَحِيل إِلَى العفونة هُوَ مزاج الْهَوَاء الْحَار الرطب وَأكْثر مَا تعرض تغيرات الْهَوَاء إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَمَاكِن الْمُخْتَلفَة الأوضاع والغائرة ويقلّ فِي المستوية والعالية خُصُوصا. وَيجب أَن تكون الْفُصُول ترد على واجباتها فَيكون الصَّيف حارًا والشتاء بَارِدًا وَكَذَلِكَ كل فصل فَإِن انخرق ذَلِك فكثيرًا مَا يكون سَببا لأمراض رَدِيئَة. وَالسّنة المستمرة الْفُصُول على كَيْفيَّة وَاحِدَة سنة رَدِيئَة مثل أَن يكون جَمِيع السّنة رطبا أَو يَابسا أَو حارًا أَو بَارِدًا فَإِن مثل هَذِه السّنة تكون كَثِيرَة الْأَمْرَاض الْمُنَاسبَة ليكفيتها ثمَّ تطول مددها فان الْفَصْل الْوَاحِد يثير الْمَرَض اللَّائِق بِهِ فَكيف السّنة مثل أَن الْفَصْل الْبَارِد إِذا وجد بدنًا بلغميًا حرك الصرع والفالج والسكتة وَالْقُوَّة والتشنُّج وَمَا يشبه ذَلِك. والفصل الْحَار إِذا وجد بدنًا صفراويًا أثار الْجُنُون والحمّيات الحادة والأورام الحارة فَكيف إِذا استمرت السّنة على طبع الْفَصْل. وَإِذا استعجل الشتَاء استعجلت الْأَمْرَاض الشتوية وَإِن استعجل الصَّيف استعجلت الأمراص الصيفية وتغيّرت الْأَمْرَاض الَّتِي كَانَت قبلهَا بِحكم الْفَصْل وَإِذا طَال فصل كثرت أمراضه وخصوصًا الصَّيف والخريف. وَاعْلَم أَن لانقلاب الْفُصُول تَأْثِيرا لَيْسَ هُوَ بِسَبَب الزَّمَان لِأَنَّهُ زمَان بل لما يتغيّر مَعَه من الْكَيْفِيَّة هُوَ تَأْثِير عَظِيم فِي تغيّر الْأَحْوَال وَكَذَلِكَ لَو تغيّر الْهَوَاء فِي يَوْم وَاحِد من الْحر إِلَى برد

1 / 117