Qanat Suways
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
Genres
وشاء الله أن ينجح المشروع الفرنسي - مشروع إنشاء القناة - كما نجح المشروع الإنجليزي من قبل، وكان لشخصية فردنند دي لسبس صاحب المشروع، وصبره ومثابرته وجرأته، ثم لصلته الوثيقة بوالي مصر الجديد أثر كبير في إخراج المشروع الفرنسي إلى حيز الحياة والتحقيق.
ومنح سعيد باشا دي لسبس امتياز قناة السويس بشروط مجحفة بحقوق مصر وصالح المصريين، فلقد نص في الامتياز الممنوح للشركة العالمية لقناة السويس على تسخير عدد كبير من الفلاحين المصريين لخدمة الشركة وتنفيذ أغراضها، كما أعطاها فرمان الامتياز من امتيازات الملكية ومن حيازة مساحات شاسعة من الأراضي في منطقة القناة ما لم يسمع له نظير، وليس هنا المجال لشرح نصوص ذلك الامتياز أو التعليق عليه، ولكن يكفي أن نقول: إن وجهة نظر سعيد باشا كانت عالمية، فهو يرمي إلى خدمة العالم والحضارة قبل كل شيء؛ ولذا فهو يقدم كل التسهيلات ويبذل كل شيء في سبيل تدعيم مركز شركة القناة وفي سبيل تحقيق المشروع.
الفصل الثاني
موقف إنجلترا من امتياز قناة السويس (1854-1869)
كانت إنجلترا تنظر إلى مشروع قناة السويس كمشروع فرنسي قبل كل شيء من شأنه أن يجعل للفرنسيين نفوذا كبيرا في مصر يمكنهم من التحكم في طريق عالمية لخدمة أغراضهم الخاصة.
حقيقة كانت تربط إنجلترا بفرنسا في الخمسينات للقرن التاسع عشر في عهد الإمبراطور نابليون الثالث؛ صلات ود وصداقة نمت فتحولت إلى تحالف متين الأواصر في حرب القرم؛ حين وقفت الدولتان جنبا إلى جنب مع الدولة العثمانية ضد أطماع الروس، ولكنه بالرغم من وجود ذلك الحلف لم تنس الدولتان أبدا تنافسهما القديم في حوض البحر الأبيض المتوسط وفي ميدان الاستعمار.
ففرنسا ترى أن سواحلها الجنوبية تطل على ذلك البحر، وهذا يعطيها الحق في أن تعمل على تفوق نفوذها فيه، وخاصة في مصر والشرق الأدنى، فذكريات حروبها في ذلك البحر، وذكريات صليبييها ومعاهداتها بصفتها بنت الكنيسة الكبرى مع الدولة العثمانية، كل هذه تشير إلى مستقبل زاهر لفرنسا في ذلك البحر، وبصفة خاصة في مصر وفي شمالي أفريقيا، ولقد كانت مصر في نظر فرنسا هي الميدان الذي جاهد فيه لويس التاسع في حملته الصليبية، وجاء إليه أنبغ أبناء فرنسا من رجال الحرب بحملته المشهورة التي أيقظت مصر من سبات العصور الوسطى، ومصر هي البلاد التي احتلها الفرنسيون، وقاموا فيها بمشروعاتهم العظيمة، وأزاحوا الستار عن ماضيها المجيد، ومصر هي البلاد التي ساعدوا على نهضتها الحديثة في عهد محمد علي الكبير، وأبلى منهم بلاء حسنا رجال في خدمة ذلك المصلح الكبير، في تكوين جيشه وبناء أسطوله، وتدعيم التعليم في عهده.
وكانت سياسة لوي فيليب في الأربعينيات من القرن التاسع عشر عاملة بلا ريب على إحياء الدول الصغيرة في البحر المتوسط وربطها بفرنسا بحبال صداقة لا تنفصم، ففرنسا في ذلك الوقت ترى أن لها دالة على مصر وعلى ولاتها، ولها الحق أن تمتع بنفوذ متفوق في وادي النيل.
ولذا، فالبرغم من صلات الصداقة والود التي كانت تربط الدولة الفرنسية بإنجلترا في عهد لوي فيليب ونابليون الثالث، فلقد عملت الحكومة الفرنسية - بصفة غير رسمية - على مكافحة النفوذ الإنجليزي في كل مكان في البحر الأبيض المتوسط؛ في الدولة العثمانية، في شمال أفريقيا، وفي مصر بصفة خاصة .
وكيف تعمل فرنسا على نمو نفوذها في مصر؟ لا يكون ذلك باحتلال مصر، فبريطانيا واقفة لها بالمرصاد، ولن تسمح بذلك أبدا، بل هي على قدم الاستعداد للدخول في حرب ضروس مع فرنسا إذا حاولت هذه المحاولة الجريئة، ثم إن نابليون الثالث الذي كان يدير شئون فرنسا الداخلية والخارجية في ذلك الوقت كان أبعد الناس تفكيرا عن أن يقوم بأي عمل من شأنه إفساد علاقاته الطيبة بإنجلترا؛ فإنجلترا هي الدولة الكبرى التي رحبت بمقدمه، وهي التي اعترفت رسميا بحكمه، ونسيت تاريخ وعداوة عمه، ولم تثر عقبات في وجهه، وبعد ذلك فنابليون الثالث لا يرى أبدا الدخول في حرب مع صديقته الأخرى؛ الدولة العثمانية صاحبة السيادة على مصر، وخاصة بعد أن وقف في صفها وحارب بجانبها، وبعد أن أعلن إعلانا تمسكه بسياسة المحافظة على كيانها وسلامة ممتلاكتها.
Unknown page