Qanat Suways
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
Genres
واستمرت المفاوضات تتعثر حينا وتتقدم حينا آخر، ثم انقطعت فجأة بمهاجمة الإنجليز للقناة وزحفهم على شرقي مصر ووقوع موقعة التل الكبير ودخول الإنجليز القاهرة واحتلالهم لمصر.
الفصل الخامس
إنجلترا وتحديد مركز القناة (1883-1888)
احتلت إنجلترا مصر والقناة في خريف سنة 1882، ولكن مركزها ظل مزعزعا، فلم تكن الدول تعترف لها بمركز شرعي في هذه البلاد، ففرنسا غير راضية، إذ أصبح مركز الإنجليز متفوقا في مصر، لم يعد يخالجها أي شك في ذلك، وحكومة فرنسا حزينة إذ لم تستطع أن تشترك مع الإنجليز في التدخل الحربي وحماية القناة على الأقل، وإيطاليا غير راضية عن عمل الإنجليز المنفرد، فلقد كانت تود لو اشتركت كل الدول الكبرى في مسألة تأمين الملاحة في القناة، وكل من ألمانيا والنمسا والمجر وروسيا لم يوافق على انتداب إنجلترا لهذه المهمة، مهمة حماية قناة السويس وإقرار الأمور في مصر، ويفضل العمل الجمعي الدولي، أو على الأقل كانت هذه الدول ترى تدخل الباب العالي إلى جانب إنجلترا، فالباب العالي هو صاحب السيادة على مصر من الناحية القانونية لا تتناطح دولتان في ذلك، والشعب المصري صاحب مصر والقناة لم يؤخذ رأيه، ولم تكن إنجلترا لتأبه لرأيه، بل دخلت البلاد قسرا ووضعت جيش الاحتلال رقيبا على تصرفاته وحياته، ولكنه بالرغم من ذلك لم يقبل الاحتلال في يوم من الأيام، وأصبح يتحين الفرص للتخلص من ربقته.
حقيقة أن الشعب المصري قمع بالقوة، وحقيقة أن الدول الأوربية الكبرى لم تثر اعتراضا قويا على تدخل الإنجليز المنفرد، وحقيقة أن الباب العالي اقتصر على الاحتجاج اللفظي، ولم يكن في موقف يسمح له بتحدي إنجلترا تحديا جديا، ولكن مركز إنجلترا كان بالرغم من ذلك ضعيفا ، وأحست إنجلترا نفسها بذلك الضعف، واختلفت فيها الآراء على مصير مصر، ففريق من الرأي العام البريطاني كان يرى ضم مصر إلى الممتلكات البريطانية، وفريق يرى بسط الحماية عليها، وفريق ثالث يرى فرض حماية مستورة أو مقنعة، ورابع يرى إعلان حيدتها، وخامس يرى الجلاء عنها بعد استقرار سلطة الخديو.
ولكن الحكومة الإنجليزية رأت أن تتبع نصيحة المستشار الألماني بسمرك، وكانت له في ذلك الوقت زعامة سياسية في أوروبا، وهذه النصيحة هي أن تستمر إنجلترا في الاحتلال حينا من الزمن مع ترك السيادة التركية كما هي.
ولم تقتصر الحكومة البريطانية على ذلك، بل أعلنت من حين لآخر حسب الظروف إرضاء للرأي العام الأوربي أنها لا تنوي البقاء مدى الدهر في مصر، وأنها ستغادر هذه البلاد حين ترى أن النظام والأمن قد استقر فيها نهائيا.
هذا ما أعلنته الحكومة البريطانية للرأي العام العالمي، ولكنها في قرارة نفسها لم تكن تفكر في الجلاء عن مصر إلا حين لا يتعارض هذا الجلاء مع مصالحها الخاصة، ومتى سيكون ذلك؟ لم تكن الحكومة الإنجليزية تريد أن تفكر في هذه المسألة.
ولو أن الحكومة الإنجليزية قررت ضم مصر نهائيا إلى ممتلكاتها وأرغمت الباب العالي على قبول ذلك، لزالت السيادة العثمانية عن مصر، ولأصبحت القناة بالرغم من أنها تجري في أرض مصر، تابعة لإنجلترا، ولكانت إنجلترا قد بتت في مصيرها، وكذلك لو فرضت إنجلترا الحماية على مصر لأصبحت قناة السويس تحت إشراف إنجلترا العام.
ولكن إنجلترا رأت أن تترك مركز مصر السياسي والدولي كما هو، فظلت القناة مجرى مائيا في أراضي مصرية، ينطبق عليها ما ينطبق على بقية أراضي مصر من حيث السيادة العثمانية، ووجدت الحكومة الإنجليزية من أول الأمر أن تترضى الدول حتى تعترف بالأمر الواقع في مصر. والأمر الواقع في مصر هو سيطرة إنجلترا العسكرية على كل أراضي مصر بما فيها القناة، وجدت الحكومة الإنجليزية أن مصلحة إنجلترا تقتضي المحافظة على المصالح الأوربية في مصر، وأرادت أن تطمئن الدول، وخاصة البحرية منها، على حرية المرور في قناة السويس لكل السفن التجارية والحربية في وقتي السلم والحرب.
Unknown page