45

kitab al-qanaʿt wa-l-taʿaffuf

كتاب القناعة والتعفف

Investigator

مصطفى عبد القادر عطا

Publisher

مؤسسة الكتب الثقافية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٣ هـ - ١٩٩٣ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

يَسْتَرْشِدُ، وَلَمْ يَظْفَرْ أَحَدٌ فِي عَاجِلِ هَذِهِ الدُّنْيَا وَآجِلِ الآخِرَةِ بِمِثْلِ مَا ظَفَرَ بِهِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ شَرِبُوا بِكَأْسِ حُبِّهِ، وَكَانَتْ قُرَّةُ أَعْيُنِهِمْ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَعْمَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي حَسْمِ الأَدَبِ، وَرَاضُو فِيهَا رِيَاضَةَ الأَصِحَّاءِ الصَّادِقِينَ، فَطَلَّقُوهَا عَنْ فُضُولِ الشَّهَوَاتِ، وَأَلْزَمُوهَا الْقُوتَ الْمُعَلَّقَ، وَجَعَلُوا الْجُوعَ وَالْعَطَشَ شِعَارًا لَهَا بُرْهَةً مِنَ الزَّمَانِ، حَتَّى انْقَادَتْ وَأَذْعَنَتْ، وَعَزَفَتْ لَهُمْ عَنْ فُضُولِ الْخِطَامِ، فَلَمَّا ظَعَنَ حُبُّ فُضُولِ الدُّنْيَا عَنْ قُلُوبِهِمْ، وَزَائِلها أَهْوَاءَهُمْ، وَانْقَطَعَتْ أَمَانِيهِمْ، وَصَارَتِ الآخِرَةُ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَمُنْتَهَى أَمَلِهِمْ، وَوَرَّثَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ نُورَ الْحِكْمَةِ، وَقَلَّدَهُمْ قَلائِدَ الْعِصْمَةِ، وَجَعَلَهُمْ دُعَاةً لِمَعَالِمِ الدِّينِ يَلُمُّونَ مِنْهُ الشَّعَثَ، وَيُشْحِبُونَ الصَّدْعَ، لَمْ يَلْبَثُوا إِلا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَوْعُودٌ صَادِقٌ اخْتَصَّ بِهِ الْعَالِمِينَ لَهُ، وَالْعَامِلِينَ بِهِ، دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، فَإِذَا سَرَّكَ أَنْ تَسْمَعَ صِفَةَ الأَبْرَارِ الأَتْقِيَاءِ فَصِفَةُ هَؤُلاءِ فَاسْتَمِعْ، وَإِيَّاكَ يَا سَوَّارُ وَنِسْيَانَ الطَّرِيقِ، وَالسَّلامُ - وَكَتَبَ رَجُلٌ مِنَ الْحُكَمَاءِ إِلَى أَخٍ لَهُ، كَانَ حَرِيصًا عَلَى الدُّنْيَا: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ أَصْبَحْتَ تَخْدُمُ الدُّنْيَا وَهِيَ تَزْجُرُ عَنْ نَفْسِهَا بِالإِعْرَاضِ، وَالأَمْرَاضِ، وَالآفَاتِ، وَلَعَلَّكَ كَأَنَّكَ لَمْ تَرَ حَرِيصًا مَحْرُومًا، وَلا زَاهِدًا مَرْزُوقًا، وَلا مَيِّتًا عَنْ كَثِيرٍ، وَلا مُتَبَلِّغًا مِنَ الْيَسِيرِ، حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْهَا لَمْ يَأْلَمْ فَقِيرٌ بِفَقْرِهِ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ غَنِيٌّ بِغِنَاهُ، مَهْجُورِينَ تَحْتَ تُرَابِ الأَرْضِ مَنْسِيِّينَ فِيهَا بَعْدَ النِّعْمَةِ. فَمَا تَصْنَعُ بِدَارٍ هَذِهِ صِفَتُهَا، وَيْلِي إِنِ اسْتَقْصَرْتُ لَيْلَهَا وَنَهَارَهَا، وَاغْتَنَمْتُ مُرُورَ سَاعَتِهَا، فَنِعْمَ الدَّارُ هِيَ لَكَ، وَإِنَّ امْرَأً حَثَّهُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَاسْتَقْبَلَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْفَنَاءِ لَحَرِيٌّ أَنْ يُقِيلَ نَوْمَهُ، وَأَنْ يَتَوَقَّعَ يَوْمَهُ، وَالسَّلامُ ١٣٥ - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً. النحل: ٩٧﴾، قَالَ: الْقَنَاعَةُ

1 / 61